كل المؤشرات في الانتخابات الرئاسية الأمريكية تُشير إلى باراك أوباما بوصفه المرشح الأوفر حظاً للوصول إلى البيت الأبيض، غير أن هذه المؤشرات وعلى صدقيتها المُجيّرة على سلسلة من الاستفتاءات والشواهد قد تصطدم بمفاجآت كثيرة كتلك التي جاءت بالرئيس بوش الابن إلى سدة الرئاسة مرتين، ولهذا السبب يصعب الإمساك بفرضية قاطعة مانعة، فالتقليد الراسخ في الانتخابات الرئاسية الأمريكية يرتبط جذرياً بملايين الناخبين المحايدين ممن يقولون كلمتهم الأخيرة في اللحظات القاتلة، ولهذا السبب فالمُعسكرون يراهنون على الوسطيين غيرالمؤيدين لهذا الطرف أو ذاك، ولعل اليمين أوفر حظاً في هذا الجانب باعتبار أن الميديا الإعلامية تقع في الغالب الأعم تحت سيطرة اليمين المالي والسياسي. والمُحايدون من عامة الناس يتأثرون غالباً بالميديا الأمريكية ومناوراتها الإعلامية والترويجية. بالمنطق الشكلي والعقلي يمكن القول بأن باراك أوباما ضمن الرئاسة، وذلك استناداً إلى أدائه الرصين، وتباعده عن المُلاسنات الشخصية، وثباته على وعده بالتجديد ومغادرة سيئات الماضي. وإذا احتسبنا إلى ذلك جملة الإخفاقات القاتلة للإدارة اليمينية المحافظة فإننا نستطيع القول بأن أوباما ينال دعماً مؤكداً من ملايين الراشدين العقلاء ممن يقرأون الحال ويدركون المآل، غير أن هذا الأمر لا يجعلنا نغفل أوراق اليمين الجمهوري وخاصة في الأوساط الشبابية العائمة والمستغرقة في أوهام السلالة والأعراق، وكذا الجماعات الارستقراطية المُنحلة الناظرة دوماً إلى الوراء، ثم اليمين المالي الذي يخاف من سياسات الديمقراطيين الحمائية للبيئة والمجتمع، ويضاف إلى كل ذلك الحراك السلبي ل «رالف نادر » ومن على شاكلته ممن يُشتّتون الأصوات ويضيعون الفرص السانحة أمام الديمقراطيين كما حدث في الانتخابات الرئاسية السابقة والتي سبقتها، فعلى مدى دورتين رئاسيتين تمكّن «رالف نادر»ابوراس من تقديم خدمة ناجزة للجمهوريين برغم خطابه الديماغوجي الرافض للجمهوريين والديمقراطيين معاً. الأيام القليلة التي تفصلنا عن النتيجة النهائية تسير بوتيرة متسارعة مداها الأزمة المالية العارمة، والإخفاقات المتتالية على درب المبادأة الاستراتيجية لليمين المحافظ، والشواهد التراجيدية في العراق وأفغانستان والصومال، والحيرة الشاملة التي تحيق بحلفاء اليمين الأمريكي من الأوروبيين الذين يدفعون الآن أثماناً باهظة . إذا تحققت توقعات المراقبين ووصل أوباما إلى سدة الحكم فإن الولاياتالمتحدة قد تعيد النظر في سلسلة من أولويات البرامج اليمينية المسطورة في الدفاتر وعلى الأرض، واذا لم يحدث ذلك فإن «جون ماكين» وحلفاءه سيعيدون إنتاج المنتج وسيذهبون بأمريكا والعالم إلى مناطق أكثر تضبُّباً وشراسة.