يُكاشف الإعلام الروسي مُستجدات الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية بلغة تجمع المتناقضات، ولا ترى حرجاً في تبني الخطاب والخطاب المضاد، كما نلاحظ بامتياز في محطة «روسيا اليوم» الناطقة بالعربية والانجليزية، والتي تقدم معلومات تفصيلية، وتحرص على استضافة الخبراء الاستراتيجيين، ممن يتمتّعون بقدر كبير من المصداقية والمعرفة في مقارباتهم السياسية. كامل المشهد الماثل في روسيا يعبر عن فتوة متجددة، واستعادات مؤكدة لمكانة روسيا العالمية، وليس أدل على ذلك من التصريح الأخير لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي دعت فيه إلى تضافر جهود الولاياتالمتحدةوروسيا لحلحلة بعض المشاكل العالمية.. وفي هذه التصريح إشارة قاطعة مانعة إلى تخلّي الإدارة الأمريكية عن عنجهية الأنا المركزية المتفردة بالحل والعقد. وما يزيد الأمر وضوحاً، العلاقات المتجددة بين روسيا ودول المنظومة السوفيتية السابقة التي بدأت تستعيد علاقاتها الخاصة مع روسيا من خلال تفعيل مشروع «رابطة الدول المستقلة» الذي حل محل الاتحاد السوفيتي، ليمثل نموذجاً كونفدرالياً فضفاضاً تمثل روسيا نواته المركزية. لاحظت النخب السياسية في دول الاتحاد السوفيتي السابق مدى الآثار السلبية التي طالتها عطفاً على تباعدها من روسيا، وسيرها وراء سراب الوعود الأمريكية بمجتمع ألفي جديد .. جميل ومزدهر، لكن النتائج الشاخصة كانت مزيداً من الإفقار والتوهان. تتبلور الأمور باتجاه عالم متعدد الأقطاب تحتل فيه روسياوالصين مكانة متميزة، وتظل فيه الولاياتالمتحدة دولةً فاعلةْ بأدوات مُغايرة لما نراه اليوم، ذلك أن الولاياتالمتحدة وقعت في مستنقعات حروب إقليمية عدمية، وها هي تريد الخروج من العراق دون أن تضمن الحد الأدنى من الاستقرار، وكأنها تسعد بإنجاز مرئيات «الفوضى البنّاءة» سيئة الصيت.. وإذا ما تمّ ذلك في العراق، فإن ذات المسار ستتعرض له افغانستان، وربما تسير دول أخرى على ذات الدرب.. وبهذه المناسبة لا يمكن تجاهل ما يجري في اليمن وباكستان ضمن إطار استراتيجية «الفوضى البناءة» التي اجترحها منظرو اليمين الأمريكي الأكثر وحشية واستئناساً بثقافة الحرب والتدمير، مُعتبرين هذه الثقافة وسيلة مُثلى لبناء الجديد على انقاض القديم !!. تقف روسيا اليوم أمام منطق «الفوضى البناءة» لتقدم جواباً مُغايراً يراه العقل الجمعي العالمي مخرجاً مؤكداً للمحنة.. يكمن المخرج في عالم متعدد الأقطاب دعت إليه الصين، وفرنسا على عهد الرئيس السابق شيراك الذي وصفه اليمين الأمريكي بالديناصور المنقرض، وتدعو إليه روسيا وكامل العالم السوي. هل تنصاع الولاياتالمتحدة للحكمة، أم تستمر في فوضاها غير البناءة؟! ذلك ما ستجيب عنه الأيام القليلة القادمة، فالديمقراطيون الأمريكان يبحثون عن مخرج ومراجعة، غير أن الجمهوريين العتاة مازالوا يضعون العوائق واحدة تلو الأخرى، مما يؤشر إلى احتدام داخلي أمريكي سيطل برأسه قريباً، كما افترض. [email protected]