ما جرى بالأمس القريب في اليابان يُثير جُملة من التساؤلات، ويكشف ملمحاً هاماً من ملامح المرحلة السياسية الراهنة في العالم، ذلك أن التغيير الذي حدث بدا صاعقاً ومفاجئاً قياساً بالتقاليد السياسية اليابانية المحافظة، حيث فاز في الانتخابات العامة الحزب الديمقراطي برئاسة «يوكيو هاتوياما»، ويصنف الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية بوصفه يمثل «يسار الوسط»، فيما يصنف الحزب الثاني الذي خسر الانتخابات التشريعية بوصفه حزباً يمينياً ليبرالياً خرج من ملعب الفعل السياسي بعد أن ظل في سدة الحكم نصف قرن بالتمام والكمال، وهذا التغيير بفوز الحزب الديمقراطي الياباني على الحزب الديمقراطي الحر يشابه في أُفق ما، ما جرى في الولاياتالمتحدة. ولكن، وعلى الرغم من تشابه نتائج الانتخابات التشريعية مع ما حدث بالولاياتالمتحدة فإن التفارق قائم بين التجربتين في نواح عديدة منها : يكمن وجه التشابه في أن الديمقراطيين المُطالبين بالتغيير فازوا هنا وهناك.. في الولاياتالمتحدة كما في اليابان ، وبالتالي كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أول المُهنئين بفوز «يوكيو هاتوياما» برئاسة الوزراء.. بل إن الإدارة الأمريكية أعادت تكرار لازمة هامة في أقوالها السياسية عندما أومأت إلى أن الولاياتالمتحدة تريد أن ترى ياباناً أكثر استقلالية، وأكثر حضوراً في السياسة الدولية، وتلك إشارة تتعلق بالسياسة الخارجية اليابانية التي ظلت طوال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية تابعاً اعتيادياً للسياسة الخارجية الأمريكية . بعض المراقبين السياسيين وصناع القرار الأمريكي يعتقدون أن استمرار التبعية السياسية المفرطة ليس في صالح الولاياتالمتحدة، فالولاياتالمتحدة بحاجة إلى حلفاء أقوياء ومُبادرين شريطة أن تكون المسافة بين الاستقلالية والتحالف مدروسة ومضبوطة على «الساعة الاستراتيجية» الأمريكية، وتلك إشارة أُخرى إلى ما كان عليه الحال مع فرنسا على عهد الرئيس السابق شيراك الذي رفض علناً سياسة المبادأة الاستراتيجية الأمريكية، وطالب بعالم متعدد الأقطاب مُتضامناً مع روسيا والصين. حينها زادت مسافة التفارق الفرنسي الأمريكي في السياسة الدولية، فيما ضاقت مساحة التحالف، حتى إن الإعلام الأمريكي شنّ هجوماً غير مسبوق على شيراك ووصفه بالديناصور المنقرض .. مُمثل أوروبا العجوز .. الرجعي غير القابل لمعرفة إيقاع العصر وتضاريسه .. بالطبع المقصود هنا العصر الأمريكي الذي كان قد تم التنظير له من قبل سدنة الخطاب والمقال، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الرئيس الأسبق نيكسون صاحب كتاب «الفرصة السانحة»، وكلّ من فوكوياما وهنتنجتون أصحاب «نهاية التاريخ» و «صراع الحضارات» مما نحن لسنا بصدد تفاصيله هنا.