على درب المقدّمات التي تجعل من روسيا الراهنة وريثاً واقعياً للاتحاد السوفيتي لابد من الإشارة إلى القدرات الاستراتيجية العسكرية، والإمكانيات المادية التي تصل إلى حد الوفرة غير المهدّدة بالانقطاع، وخاصة في مجالات إنتاج الطاقة، واقتصاد التعدين، بالإضافة إلى الإنتاج الزراعي السمكي الواسع، والصناعة الأفقية القابلة لمزيد من التطوير وفق النموذج الصيني، ممَّا يمكن رصده في روسيا.. البلد الأكبر مساحة في العالم، والذي يصل أقصى غرب العالم بأقصى شرقه. ذلك أن روسيا تتاخم الولاياتالمتحدة في أقصى الغرب العالمي من خلال شبه قارة ألاسكا الغنية بالمياه والزراعة والصناعة والطاقة، فيما تتاخم اليابانوالصين وكوريا الشمالية في أقصى شرق العالم، لنقف على مساحة أُفقية تمتد عل ما يزيد عن 12 مليون كيلو متر مربع، وهي مساحة توازي مساحتي الولاياتالمتحدةوالصين مجتمعتين. وبهذه المناسبة لا بأس من الإشارة إلى أن منطقة الأسكا الأمريكية التي تمثّل حوالي 20 في المائة من مساحة الولاياتالمتحدة كانت منطقة روسية تاريخياً، وقد تم بيعها من قبل القيصر الروسي آنئذٍ، وبصك امتلاك ناجز للولايات المتحدةالأمريكية. بُعيد السقوط الحر للاتحاد السوفيتي احتسبت الولاياتالمتحدة لكامل العوامل التي أدت إلى ضعف الاتحاد السوفيتي وسقوطه الحتمي، لكنها لم تحتسب للعمق الروسي الذي يتميّز بالقدرة الاستثنائية على إدارة روسيا خارج نطاق الارتهانات الخارجية المحتملة، وقد أدرك الاستراتيجيون الأمريكان المعنى الكبير لروسيا التي بوسعها الاستغناء عن كل العالم، بمقابل حاجة الآخرين لكلّ العالم، ومن هنا جاء الخطأ في الاحتساب الأمريكي الذي لم يتوقع انبعاث روسيا من أحشاء الإمبراطورية السوفيتية المنهارة، كما تواترت الانتقادات الأمريكية والأوروبية الغربية والصينية، لسياسات اليمين الجمهوري الذي قدم مُخطّطاً افتراضياً لعالم القطب الوحيد.. ذلك المخطّط الذي اعتبر هزيمة روسيا المقدمة الحاسمة، التي لا تبدأ بإحياء برنامج حرب النجوم الريغاني فقط، ولا تنتهي بمشروع الشرق الأوسط الكبير. نذكر في هذا الباب الدعوة الجريئة للرئيس الفرنسي السابق «جاك شيراك» بعالم متعدّد الأقطاب.. والذي نال حينها قبولاً ناجزاً من قبل الصينوروسيا، حتى أن الآلة الإعلامية للمحافظين الجدد اعتبرت شيراك مجرد ديناصور منقرض، أو مستحاثة جاءت من عالم ما قبل التاريخ!!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك