السيكولوجيا العنفية ضد المواطنين تعكس تركيبة الأنظمة العربية ومفهومها الجوهري لمعنى القوة، وكيف أنها تستأسد على مواطنيها مقابل تعامل النعامة مع ألد الأعداء وأكثرهم شراسة. أنظمة لم تتورّع عن إخضاع مقدّرات الأمة لبورصة السياسة الرخيصة بحثاً عن قبول دولي، بنفس درجة التعامل العنجهي المتغطرس مع الذاكرة الوطنية. الحالة الصومالية على عهد سياد بري نموذج فلكلوري لهذه الحقيقة العربية بامتياز، وما تمَّ بعد ذلك بدا استنساخاً شائناً لذات السيكولوجيا العنفية، حتى أن التهديد بالصوْملة أصبح فزَّاعة ترفعها أنظمة الشمول الأسري الأوليغاركي في وجه الشعوب. بالأمس شنَّ “سياد بري” حروباً لا تفسير لها، وهكذا فعل تابعه “صدَّام” وبالأخص استباحة العسكرية الخاصة بنظام سياد سكان الشمال الصومالي، وهذا ما تمَّ أيضاً في العراق واليمن، على خطّي الجنوب وصعدة يمنياً، والجنوب والشمال عراقياً، وهذا ما كان سيحدث في ليبيا لولا لطف الله ونهاية المأساة، وهذا ما يحدث اليوم في سوريا، وما قد يحدث غداً أو بعد غد في الزمن العربي المفتوح على بؤس الحال والمآل. على مدى الفترة التي تلت السقوط الحُر للاتحاد السوفيتي، عاصرنا عديد الانتفاضات والثورات الشعبية في عموم روسيا وشرق أوروبا، بما في ذلك الحالة الأوكرانية الأخيرة؛ لكننا لم نشهد استخداماً منفلتاً للمؤسسات العسكرية والأمنية، بل كانت الثقافة السياسية العامة مؤهلة للتنازلات المتبادلة من أجل المصلحة العليا للأوطان. هذا ما حدث في روسيا وبولندا ورومانيا وتشيكوسلوفاكيا السابقة، ذلك أن الجهاز المفاهيمي السيكولوجي الأوروبي، كان ومازال مؤهلاً لتجاوز الاحتقانات القومية والدينية التاريخية، والنظر إلى مفهوم التغيير بوصفه خياراً تاريخياً جبرياً لا مفر من الاتساق معه، لكننا في العالم العربي تمترسنا وراء «مُزدوجي» التغيير العاصف، أو التجميد القاتل، وكأننا نعيد إنتاج ثقافة الجاهلية القبائلية التي وسمت تاريخ الجزيرة العربية في فترة ما قبل ظهور الإسلام. الاستقطاب والتمترس وثقافة الكراهية والتصعيد والتعصب والاجتثاث؛ كلها مصطلحات تترجم ما نحن عليه من حال، وهي الدالة الكبرى في فضاء الصوملة الواقعية لا الافتراضية. [email protected]