«2-2» - أما التأهيل الثقافي للخطباء؛ فينبغي ألا يقتصر على المجال الشرعي؛ بل لابد أن تتنوّع ثقافة الخطيب وقراءاته؛ وهذا ما يجعله منفتح العقل والقلب على جميع الرؤى الفكرية والأطياف السياسية التي يخاطبها؛ بعيداً عن التعصب ، قريباً من قيم الجمال والحق والخير. - هنا قد يتبادر سؤال وجيه: لماذا لا يبادر الخطيب بتأهيل نفسه بنفسه، وما دوره إذن في تحسين مستواه..؟!. هناك نتيجة مفزعة تقودنا إليها محاولة تحليل وسبر الإجابة عن هذا التساؤل وهي أن كثيراً من الخطباء لا يدركون قصورهم ولا يشعرون بمكامن الخلل التي تعتري خطابهم من ناحيتيه «الفنية و التنويرية». ولا ننسى أننا هنا نتحدّث عن عشرات الآلاف من الخطباء على امتداد ربوع اليمن؛ وليس كلهم على درجة كافية من الوعي بما يعانيه خطابهم من أسقام وعلل، والقليل ممن يدركون ذلك ليس لدى جميعهم القدرة على تجاوز ضعفهم والارتقاء بأدائهم كما يجب. ولا ننسى أن كثيراً من الشرائح الأخرى المؤثرة في المجتمع كالمعلمين مثلاً أو الصحافيين وغيرهم؛ ينتسبون إلى جهات رسمية أو أهلية ومجتمعية هي المسؤولة عن مراقبة أدائهم وتحسين نوعيته؛ ويتقاضون نظير أدائهم مقابلاً مادياً وهذا مدعاة للتطوير بينما لا ينطبق هذا الأمر على الغالبية العظمى من الخطباء - لا يوجد إلى الآن نقابة خاصة بالخطباء أسوة ببعض شرائح المجتمع من أطباء ومحامين وسواقين... إلخ. يخطر في بالي الآن تقرير قرأته ذات يوم عن الوضع التعليمي في اسبانيا وأنها أهّلت عام 2006- تقريباً - مائة ألف معلّم لتدريس التفكير الإبداعي؛ ونحن لدينا خطباء تتشكّل على أيديهم نسبة كبيرة من أبناء المجتمع وتستمع إليهم أسبوعياً؛ لو أهلنا هؤلاء فإن تأثيرهم سينتقل لروادهم وهؤلاء بدورهم سينشرون هذا التأثير في المجتمع. لا شك أن الخطيب يتحمل جزءاً من قصوره الواضح للعيان - نسبة كبيرة من المصلين لا يحضرون إلا بعد انتهاء الخطبة الأولى وقرب الصلاة - لكن بنفس الوقت لا أريد أن أحمل الخطيب فوق طاقته ؛ إذ أين دور منظمات المجتمع المدني ؟ أين دور الجمعيات الخيرية التي قد تهتم ببناء المساجد وتهمل بناء الإنسان ؟ أين دور رجال الأعمال وأصحاب الشركات ورؤوس الأموال ؛ فشركة اتصال واحدة – كمثال فقط – قادرة على استهداف خطباء المساجد الكبيرة في عواصممحافظات الجمهورية – كمرحلة أولى – ولا أريد أن أقول وأين دور وزارة الأوقاف في الاعتناء بالجمعة وخطيبها ؛ فالجمعة والمسجد بعيدان عن مجال اهتمامها إلا إذا تعلق الأمر بتوجه الدولة في قضايا معينة متعلقة بالشأن السياسي الصرف. الخطبة مهملة من الجميع ، بدءاً من الخطيب نفسه الذي قد يكون جاهلاً بدوره وتأثيره وبما يعتري أداءه من ترهل وفتور ؛ مروراً بالمجتمع ومؤسساته الفاعلة ؛ وانتهاءً بالدولة .. والنتيجة الطبيعية لهذا الإهمال أن تفقد الخطبة وهجها ودورها في النهوض والتنوير ؛ بل وأن تؤدي عكس هذا الدور في أحيانٍ كثيرة ؛ واختلال الدور هذا لا يقتصر على الخطيب فحسب ؛ بل ينسحب على المعلم والطبيب والقاضي ورجل الأمن...إلخ. ألا تلاحظ معي أن رجل الأمن صار يمارس عكس دوره تماماً ؛ وأن المدرسة صارت في أحايين كثيرة تشرعن الغش للطلاب وتدربهم على ممارسة فنونه ؛ ويتخرج منها أشباه متعلمين فحسب ؛ وأن المستشفيات صارت أمكنة للموت الجماعي بسبب الأخطاء الطبية القاتلة والإهمال الذي لا رقيب أو حسيب عليه ؛ وأن المحاكم غدت أكثر أماكن يمارس فيها الظلم بأبشع وأوحش صوره ؛ وكثير من القضاة يبيع ويشتري بدماء المواطنين وأموالهم وسائر حقوقهم ؛ حتى صار المثل الشعبي (صلح أعوج ولا شريعة سابر) أفضل قانون يتحاكم إليه المتخاصمون...إلخ.إلخ.إلخ. مشكلتنا الأساسية في المجتمعات العربية تكمن في بذرة التخلف بمعناه الثقافي الاجتماعي ؛ هذه التي حرص المستبد – وقبله المستعمر - على تعزيزها وتنميتها في ثقافة المجتمع وقيمه ؛ والمعوّل الأساسي للتخلص منها - خاصة بعد ثورات الربيع العربي - فى نخب شابة مبدعة تمتلك – بالتدريج - زمام المبادرة لتطوير الأوضاع في كل مجال ومنها خطبة الجمعة.