جميعنا يعرف أن الإسلام دين هداية وحب وسلام وإخاء وتسامح، والإسلام هو حق وعدل وخير، وهو دين صدق واعتدال ووسطية ونقاء؛ لا تشوبه شائبة، ولا يمكن تشويه قيمه السامية أو توظيفه واستغلاله لمآرب شخصية أو حزبية أو مذهبية. والإسلام جاء ليوحّد البشرية ويخرجها من الظلمات إلى النور، وينتشلها من غياهب الظلم والتخلُّف إلى سناء العدل والمساواة والحرية، فبالإسلام سقطت عبودية البشر لبني البشر، وتساوى الجميع في عبوديتهم لله الواحد الأحد، فلا فرق بين عربي أو أعجمي أو أسود أو أبيض أو غني أو فقير إلا بالتقوى. وبهذه القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية السامية عمّ نور الإسلام إلى مشارق الأرض ومغاربها حتى غدا الإسلام واحة يستظل بأفيائه الوارفة كل بني البشر، ومن يعرف حقيقة الإسلام يدرك أنه الدين الحق الذي رفع من شأن الإنسان وحدّد له معالم واضحة للحياة بعيداً عن كل أشكال الغلو والتشدُّد والتطرُّف. ولهذا فلا عجب أن يمتدح آلاف المستشرقين الإسلام وقيمه ونبي هذا الدين محمد عليه أفضل الصلاة والسلام الذي جاء هادياً وليس جابياً، ومرشداً وليس آمراً، ومعلماً يرشد الناس إلى قيم الحق والفضيلة والحب والسلام. هذا هو الإسلام الحق وحدة لا تتجزأ، أساسه التمسُّك بكتاب الله وسنّة نبيه ولا علاقة له بالمذاهب والطوائف أو العصبية أياً كان شكلها أو لونها؛ وإن اختلف المسلمون وتعدّدت مذاهبهم وفرقهم وطرقهم وأحزابهم فالخلل في المسلمين وليس في الإسلام، وهناك آيات قرآنية صريحة وواضحة تنبذ كل هذا الشتات وتأمر المسلمين بالاصطفاف والوحدة والتآخي، ولا يكتمل إيمان المسلم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. لست هنا بصدد الدفاع عن الإسلام والتعريف بقيمه وأخلاقه، ولست من شيوخ ودعاة الإسلام وعلمائه؛ ولكني مسلم فقط أشعر بالحزن والألم إلى ما آل إليه حال المسلمين اليوم. ولعل ما آلمني أكثر ما قرأته لإحدى الكاتبات من الطائفة اليهودية وتُدعى «نجاة» والتي قالت إنها ترغب في معرفة الإسلام واعتناقه؛ إلا أن ما تراه من حال المسلمين وما وصلوا إليه من فُرقة وشتات وتناحر فيما بينهم أصابها بالحيرة ودفعها إلى إثارة الكثير من التساؤلات. تقول الكاتبة اليهودية: لا تغضبوا مني فأنا أحاول أن أفهم الإسلام على طريقة اليهودي الذي أسلم بسبب تصرُّفات النبي قبل كلام القرآن، وتتساءل الكاتبة اليهودية اليمنية الأصل: «أولاً»: المسلمون اليوم مذاهب متعدّدة؛ وكل مذهب يعتبر الآخر «كافراً» ويحلّل قتله، فلو أردت - كيهودية - دخول الإسلام؛ هل أدخله من باب «السنّة» أم «الشيعة» أم المذاهب الأخرى، وأي منها أعيش فيه بسلام ولا يحلّل قتلي أنصار مذاهب الإسلام الأخرى..!؟. «ثانياً»: المسلمون اليوم يتقاتلون بينهم البين في كل مكان، ويذبحون بعضهم البعض بطرق بشعة جداً، فكيف يقتنع اليهودي بدخول الإسلام إذا وجد المسلم يقتل أخاه بسبب الدين نفسه، بينما لا يمكن أن يسمع أحدكم أن اليهود يقتلون بعضهم البعض بسبب الدين؛ بل على العكس «اسرائيل» أقامت دولتها بسبب الدين..؟!. «ثالثاً»: عندما النبي محمد دعا الناس إلى الإسلام؛ فإنه أغراهم بالحرية والعدل والخلاص من الظلم والجهل والفقر لذلك تبعه الناس، لكن اليوم عندما المسلمون يدعون اليهود إلى دخول الإسلام؛ بماذا يغرونهم..؟!. وتختتم الكاتبة اليهودية تساؤلاتها بسؤال أخير وتقول: بدأت أقرأ دراسات عن القرآن، وكل يوم تزداد حيرتي أكثر وأبقى أسأل نفسي: لماذا إذن العالم الإسلامي وصل إلى هذا الحال رغم أن لديه دستوراً دينياً رائعاً ونبياً عظيماً كان يجعل اليهودي يتبعه بسلوك صغير قبل معرفة ما في القرآن، بينما اليوم ينظر غير المسلمين إلى المسلم بريبة وخوف..!؟. وهنا أتمنّى على شيوخ وعلماء ودعاة الإسلام بكل مذاهبهم المتناحرة اليوم أن يقفوا أمام هذه التساؤلات كعلماء دين يجمعهم ويوحّدهم الإسلام ولا تفرّقهم المذاهب. أتمنّى عليهم أن يجيبوا عن هذه التساؤلات؛ ليس لأنها جاءت على لسان امرأة من غير المسلمين تتوق إلى اعتناق الإسلام إن صدقت؛ وإنما لأن مثل هذه التساؤلات تهمّنا نحن أيضاً كونها تلامس أوجاعنا وآلامنا التي تزداد يوماً بعد آخر، وكم نشعر بالأسى عندما نرى الإسلام عُرضة للاتهام ويُساء إليه من الآخرين. ما طرحته الكاتبة اليهودية مستوحى من الواقع الذي يعيشه المسلمون اليوم، ونكذب إن قلنا إن ما قالته الكاتبة مجافٍ للحقيقة ونحن نرى المسلم يكفّر أخاه المسلم ويستحل دمه ويوظّف الإسلام لتحقيق مآربه المذهبية والحزبية الضيقة والإسلام منه براء. وليست الكاتبة اليهودية هي الوحيدة التي تثير مثل هذه التساؤلات؛ فقد سبقها الكثيرون، ويكفي أن نستشهد هنا بما قاله المغنّي الإنجليزي "كات ستيفنز" بعد أن اعتنق الإسلام وأصبح اسمه اليوم "يوسف إسلام" يقول: «الحمد لله أنني عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين»..!!. [email protected]