أشعر بالحزن الشديد وأنا أشاهد حالة التمترس والكيد الذي يسود جميع مواقفنا مع الآخرين شركائنا في الدين والوطن، مواقف يملؤها البغض والحقد والكراهية خاصة بين النُخب السياسية الذين يحاولون لبس الأقنعة ليخفون حقيقة نفوسهم تجاه بعضهم. لا يمكننا أن نبني وطناً ونكمل مسيرة ونحقّق حلماً وقلوبنا يملؤها الحقد والكراهية للآخرين، ولا يمكن لمشاكلنا وهمومنا أن تنتهي ونحن نحمل لبعضنا هذا الكم من الحقد والبغض. إنني حينما أتحدّث معكم أيها الأعزاء عن طهارة الأرواح والقلوب؛ فإنني بذلك أتحدّث عن خُلق إسلامي عظيم يجب أن يسود فيما بيننا لتشع قلوبنا بالمحبة تجاه بعضنا، فالمحبة والسعادة والصفاء لا توجد إلا في القلوب الطاهرة الخالية من الأحقاد والضغائن؛ كيف لا ونحن قوم وصفنا رسولنا العظيم بأننا أرق أفئدة وألين قلوباً، وقد عرفنا القاصي والداني على مر الدهور بأننا أمة عاشت حالة من التلاحم والانسجام والأخوّة والترابط الاجتماعي بين جميع مذاهبه واتجاهاته فأثّرنا بالآخرين وعشنا وتعايشنا. ولم يُعرف عنّا يوماً بأننا غلاظ القلوب صعب الطباع إيماناً منا أن هذه المبادئ هي التي ستحافظ على نسيجنا الوطني وتبعدنا عن حالات التفكك والانقسام والصراعات وقد كان، أما اليوم وأمام هذا الرعب الذي نشاهده يتملكنا القلق والخوف على مصير أخوّتنا ووحدتنا ونسيجنا الوطني الواحد؛ خاصة ونحن نرى بعض المقامرين الذين يلعبون بنار الطائفية والقبلية والعصبية لتأجيج الصراعات والخلافات بين أبناء الوطن الواحد. عظمتنا أيها اليمنيون لن تظهر ويراها الآخرون إلا حينما نطهّر قلوبنا وأرواحنا ونسمو بأخلاقنا ونحيي قيم الحب والتسامح فيما بيننا لنعيش بسلام ومحبة ونقاء، يجب أن ننشر ثقافة التسامح فيما بيننا حتى نرى الدنيا ومن فيها صافية نقية. يجب أن نلتمس العذر لمن حولنا ممن يرتكبون حمقاً أو خطأً في حقنا، ونتذكّر دوماً مقولة «أبوقلابة الجرمي» حين قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه، فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عذراً فقل: لعل له عذراً لا أعلمه. سنظل دوماً نحمل هذه الروح تجاه بعضنا لنحمي أنفسنا ووطننا من التمزُّق؛ لأنه لا حل لنا إلا بالعيش سوياً متصالحين متآلفين على أرض واحدة يحكمنا نظام واحد وقيادة واحدة. احملوا بين جنباتكم أيها اليمنيون قلوب العظماء، فالنفوس الكبيرة هي وحدها التي تعرف كيف تسامح، وأصحاب القلوب الطاهرة هم من خيرة الناس وأحبهم إلى الله. لقد قضي من أعمارنا وأعمار وطننا الكثير.. والحياة قصيرة؛ وأقصر من أن نشغلها في التربص وتسجيل الأخطاء للآخرين وتغذية روح العداء فيما بيننا، فالمرحلة تتطلّب منا جميعاً أن نسامح ونعفو ونصفح. يجب أن نشغل أنفسنا جميعاً بهذا الوطن وأمنه واستقراره والعلو من شأنه لننتقل من حالات الصراع والمكايدات إلى حالات البناء والإعمار، اجعلوا قلوبكم بيضاء صافية، تناسوا خلافاتكم، اقبلوا على الحياة ببشاشة، املأوا قلوبكم بالتسامح والعفو، طهّروا أرواحكم من الكراهية والحقد، فالقلوب الصافية النقية هي الجمال الحقيقي لأي إنسان. طهّر الله قلوبنا من كل سوء، وحفظنا وحفظ وطننا من كل شر.