يقول سبحانه في محكم آياته: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضلٍ على العالمين». ويقول أيضاً: «ولولا دفع الله بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقويٌ عزيز». إنها سنة التدافع قانون كوني وسنة إلهية تعمل على حفظ التوازن بين البشر, فلا يتمكن أحدهم من ظلم الآخر أو الاعتداء على حقوقه وسلبها منه دون وجه حق... فعلى كل شخص مسؤوليات وواجبات عليه أن يؤديها للآخرين , ولكل شخص حق يأخذه من الآخرين , تطالب الآخرين بحقوقك والآخرون يطالبونك بحقوقهم وهكذا دواليك , فتقصيرك في أداء واجباتك تجاه الآخرين وعدم إعطائهم حقهم كاملاً يجعلك في منزلة الظالم الذي يجب محاسبته وسؤاله عن الحق الذي أضاعه , ومن ثم دفعه بشتى الطرق والوسائل لتأديته كاملاً حتى تنال حقك وينال الجميع حقوقهم. فالاستسلام للظلم ينشر الفساد في الأرض حتى على مستوى العلاقات البسيطة بين الإخوة، بين الزوج والزوجة, فما بالك بالعلاقات المركبة كعلاقة الرئيس في العمل بمرؤوسيه وعلاقة الحاكم برعاياه , وعلاقة مجتمع بمجتمع آخر أو دولة بدولة أخرى. إن إغفال هذا القانون يؤدي إلى تسلّط القلّة على الكثرة من خلال حجج واهية وأكاذيب مضلّلة يختلط فيها الحق بالباطل حتى يضيع الحق تماماً , وتنقلب الآية وتختل الموازين ..فيتسلط الظلمة على الضعفاء ويطالبونهم بتأدية واجباتهم وإذلالهم بها , بينما هؤلاء المتسلّطون لا يؤدون أي واجبٍ لأولئك المستضعفين. وهذا ما حدث إبان الثورات العربية أو الأزمات العربية كما يحلو للبعض تسميتها , فلطالما عانت الشعوب العربية من تسلّط النخب الحاكمة على الشعوب المغلوبة على أمرها , ومنذ عام 2011م عندما عبر البوعزيزي عن روح الإنسان العربي الثائر , لتندلع بعدها الثورات والصرخات وتنتقل من بلدٍ إلى آخر , حتى في تلك البلدان الأكثر صمتاً وثراء , ومازالت الشعوب إلى اليوم تطالب بحقوقها وتقاوم من أجل ذلك , بعد أن استيقظت على وهم الحاكم الأوحد الذي انهار مع أول هبة ريح. قد تكون هناك حكومة مقصّرة , وهناك حقوقٌ ضائعة ,ولكن المطالبة بالحقوق يجب أن تليق بحجمها وقوتها وصدقها واستحقاقها الفعلي لأصحابها وإيمانهم بها , فالمطالبة بالحقوق تتطلب تعاضداً وتآزراً , وتخطيطاً متكاملاً في زمنٍ معقّد أصبحت فيه كل حركة محسوبة , وذلك حتى تتحول قوة الحق إلى قوة حقيقية على الأرض , ليعمل قانون التدافع وتسترد الحقوق المنتهكة , أما أن يقبع أصحاب الحق في مقابر الصمت والذلّ والخوف , أو يرفعون شعاراتٍ وترهات متناثرة هنا وهناك , أو يطالبون بحقوقهم ليحصدوا من ورائها منافع شخصية ...كل ذلك يجعل الحق ضعيفاً هزيلاً بلا معنى , فإقامة العدل واسترداد الحقوق يحتاج إلى قوة لإقامته. [email protected]