في أواخر العام الميلادي المنصرم تناولت موضوعاً متواضعاً في وفاة عدد من الزملاء من الأدباء والمثقفين والفنانين والشخصيات الاجتماعية المختلفة، ولكثرة ذلك العدد من المتوفين والشهداء الذين توفوا ضحايا العمليات الإرهابية الجبانة والقذرة، فقد وقع اختياري لعنوان ذلك الموضوع كالتالي: أفول عام الخسران المبين.. فقد كنت وغيري ممن يأملون بنهاية ووقف هذا المسلسل الدامي الذي أخذ في الازدياد، والتلازم الهبوب: رياح ما سمي: «بالربيع العربي» والذي أخذ يجتاح جملة من أقطار الوطن العربي، بعد تدشينه لربيع القطر التونسي الشقيق، هذا القطر الذي بدأت معالم ملامح مستقبله مبشّرة بالتوفيق والنجاح المؤزر لقواه السياسية، وقادة أحزابه الذين أوتوا حقاً الحكمة والبصيرة والوعي السديد بمتغيرات العالم وظروف عصره العصيبة، فما أن بدأنا نلج أولى شهور العام الميلادي الجديد حتى صدمنا بهول ووجع خيبة الأمل التي روّعنا بها في أولى شهور هذا العام، ففي هذا الشهر فقدنا العديد من أبناء هذا الوطن، إلا أننا قد كنا أكثر ألماً وحزناً للحالة المؤسفة التي لازمت الأستاذ الصديق عبدالله علوان، والأمر في حالة هذا الشاعر، الإنسان الأديب، المثقف أننا لم نعلم أو نعرف بوضعه وأحواله المرضية إلا في الأيام الأخيرة، ويبدو أن الأحداث الناتجة عن إفرازات هذا الربيع الكاذب قد عطلت وأفسدت العلاقات بين أبناء المجتمع، وبعبارة أصح: عرقلت ما كان بين الناس من علاقات حميمة وودودة. ومن الأشخاص الذين فقدناهم خلال هذا الشهر أحد المناضلين من مناضلي الأحزاب القومية.. إنه الأخ عبدالرحمن محمد سعيد العريقي.. والجدير بالذكر هنا هو أن المذكور كنت قد تعرفت عليه أول مرة قبل حوالي خمسين عاماً، كنت قادماً من مدينة عدن في مهمة خاصة فوجدته هنا في مدينة تعز. فالمرحوم توفي عن عمر تجاوز الثمانين عاما،ً أي أنه قد تعمّر عمراً مديداً ، الرحمة والغفران له والله نسأل أن يسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون، إلا أن الأخ عبدالله علوان كما عرفنا فيما بعد إنه قد عانى الويلات من آلام الغرغرينة وبتر لأجزاء من أطرافه.. ففي صباح ثاني أيام وفاته أبلغني أحد الأصدقاء بالخبر ولم يقل لي ما إذا كانت الوفاة بنفس اليوم أم الذي قبله وأردف: أن أولاده قرروا دفنه «بالقرية» وفي الصباح الباكر من ذلك اليوم أخذت بالتواصل مع عدد من المعاريف بداخل تعز وخارجها بدون جدوى، فالبعض لم يكن قد بلغه النبأ والآخر لم يحط علماً بما جرى.. هرولت باتجاه شارع 26 سبتمبر حيث التواجد الأكثر لأبناء قريته «الصّيرة” فكانوا هم أيضاً لا يعرفون ما إذا كان سيدفن بالقرية أم أن أولاده قد قبروه في صنعاء.. عرفت فيما بعد أنه قد قُبر في مدينة صنعاء.. فعلى الرغم من أن الإنسان قد توفرت له العديد من وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنها قد نزعت من هذا الإنسان أهم وأنبل الخصائص لإنسان: المشاعر الإنسانية تجاه أصدقائه ومعارفه.. أخلص مما سبق أن العام الذي قدرتُ أفوله ونهايته لم ينتهِ ولم يأفل نجمه. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. لم أتعرف على المرحوم إلا عقب قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر في كل من صنعاءوعدن إلا اني كنت قد تعرفت على والده الجليل الأستاذ أحمد علوان الفقية النبيه والخطيب المفوّه، وقارئ الترانيم بالموالد النبوية والمناسبات الدينية المختلفة.. وقد كان من أبرز المعلمين في مدرسة الفجر الجديد في مدينة التربة، وقد ارتبط بعلاقات حميمة بالعديد من أهالينا ومشائخنا في عزلة شرجب كما تتلمذ على يديه عدد كبير من أبناء الحجرية. أما كاتب هذه السطور، فقد نزح إلى مدينة عدن في وقت مبكر من حياته. لكنني قد تعرفت على الأستاذ أحمد علوان من خلال زياراتي المتكررة للقرية وفي تقديري إن المرحوم عبدالله علوان قد كان لوالده الفضل الكبير في إنماء ورعاية مواهبه الأدبية، ونزوعه إلى مختلف الفنون الشعرية والخطابية وخلاف ذلك. وبعد، إذا كنت قد أخفقت في تقديري من أن عام الخسران قد أفل فإذا بخسراننا للعديد من أدبائنا ورجالنا المدافعين عن حياض هذا الوطن يتواصل فإن الأمر يتطلب يقظة وانتفاضة هائلة للتفكير الجاد والمراجعة الصادقة لمواقفنا وإعادة النظر لما نحن فيه، والتعاطي مع الأحداث والمتغيرات بقدر من المسئولية والعقلانية والنأي بأنفسنا عن التشرذم والانزواء وضرورة التجاوب لمعاناة بعضنا البعض، للوقوف أمام التحديات التي تعصف بكل واقف لوحده بعيداً عن إخوته وزملائه والمجموع.. الرحمة والغفران للأستاذ عبدالله علوان والله أسأل ان ينزله فسيح جناته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون. وإذا كان لي من كلمة أختتم بها عزائي هذا وبدون مبالغة أو زيف فهي إننا قد فقدنا كتلة من القيم الوطنية الشجاعة التي لم تُجامل أو تُنافق أو تُطأطىء الهامة لمخلوق ..فقد كان يمتاز بأسلوب ساخر يهزأ بكل من لا يرتاح لقوله وسلوكه ومواقفه. وفي تقديري وتصوّري لو كان بقي واستسلم لمغريات ومتاعب الصحافة لما كان قدّر له إنتاج ما أنتجه من المؤلفات الشعرية والنقدية والقصص.