التجربة الاتحادية اليمنية تجد مقدماتها الموضوعية في كامل الجغرافيا الاقتصادية الداخلية التي تشتمل على سواحل تمتد على مدى 2500 كيلو متر مربع، عامرة بالاقتصاديات البحرية، وتتوفَّر على 300 جزيرة مُحاطة ببيئات بحرية فريدة، وتمتد فيها سلسلة الجبال من الأعلى إلى السفح، ضمن منظومة بصرية بانورامية نادرة المثال، مشهداً وحياةً، فالاقتصاد البيئي الجبلي في اليمن لا يتوقف عند حدود الزراعة بأنواعها، بل يشتمل على ثراء من مصفوفات إنتاج العسل، والنباتات الدوائية، والزهور العطرية التجارية، بالإضافة إلى الأحجار الكريمة، والمعادن النفيسة، التي ما زالت مطمورة في أنفاق الجبال ودهاليزها .. وعلى خط متصل نتوقَّف مع بيئة السهول التاريخية الحضارية التي تمتد من حوض مأرب التاريخي، لتشمل محافظاتشبوة وحضرموت والمهرة، وكذا امتداداتها الغربية والجنوبية، في أبين وعدن والتهائم، ولتتوج رؤوس بهائها الخُضري الزراعي الشامل مع شواهق الجبال في تعز والبيضاء ومناخة وصنعاء وحجة وصعدة. هذا التوصيف العابر لبيئة الجغرافيا الاقتصادية اليمنية تنفتح على مزيد من التفاصيل الموشاة بمساحة قدرها 555 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة تعتمر بتنوُّع ميزاتها النسبية، ولا تخلو من أنماط اقتصاديات التعدين.. ابتداءً بالنفط فالغاز، وحتى الحديد والنحاس والذهب. تماماً كما هو الحال في بلدان الله الغنية، فالمفهوم العصري للتنمية ينطلق من حقيقة مطلقة، مُفادها أن كل رقعة من يابسة أو بحر تحمل ميزة، وقدرة على أن تسهم في النماء العام، وهي بهذا المعنى تُمثِّل إضافة مؤكدة إذا ما توفَّر الشرط الاقتصادي والمجتمعي للتنمية. من المعروف أن الوجود الاجتماعي للبشر يلعب دوراً حاسماً في وعيهم، وأن الحرية والكرامة لا تتحقق في بيئة الفقر والمظالم والرثاثة، ولهذه الأسباب كانت التنمية وما زالت المخرج الأساس والسبيل المناسب لتحقيق الحرية بمفهومها الأكثر واقعية وشمولاً، لكن هذا المفهوم لا يمكنه أن يتحقق في ظل آليات الدولة البسيطة المركزية التي أرهقت العباد والبلاد، بل في ظل الدولة العصرية الاتحادية الفدرالية ذات النمط الخاص. أصبحت هذه الضرورة اليوم ملحة وعاجلة، وذات صلة بالأمن العام أكثر من أي وقت مضى، وفي يقيني أن الأقاليم الافتراضية للدولة الاتحادية اليمنية يمكنها تحقيق نجاحات جزئية تكون بمثابة المدخل والمقدمة للنجاحات العامة، ولا يجوز بحال من الأحوال الحديث عن نموذج جديد للدولة في ظل استمرار دولة الغياب الجبري، المتراجعة أمام غلواء المُخربين من كل شاكلة وصنف. على أنساق البيان السياسي المؤسسي اليوم اتخاذ تدابير عاجلة لتحريك العجلة صوب تدوير الخيار الأفقي لدولة اتحادية تسابق الريح، فالوقت متاح لنجاحات جزئية، والبحث عن حلول شاملة في الأحوال اليمنية الراهنة أشبه ما يكون بالبحث عن لمعة إبرة ضاعت بين حشائش الحقول الجافة. [email protected]