كنت في الأسبوع الماضي قد تطرّقت في هذه الزاوية إلى قضية دور الإعلام في التهيئة لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وأكدت أنه من الصعوبة تنفيذ مخرجات الحوار في ظل المعارك الإعلامية المستمرة بين فرقاء السياسة وشركاء الوطن، كما أكدت ضرورة أن يلعب الإعلام دوراً إيجابياً في دعم وإنجاز ما تبقّى من المرحلة الانتقالية. ولن يكون ذلك إلا باعتماد خطاب إعلامي عقلاني ينظر إلى مصالح الوطن العليا قبل أية مصالح أخرى، وبعيداً عن كل صور وأشكال المناكفات والمكايدات السياسية التي تزيد من حدّة الاحتقان السياسي وتضرُّ بكل الجهود المعتملة لإخراج اليمن من بؤرة الصراعات والأزمات التي تعصف بها منذ ثلاث سنوات مضت. وفي الأمس دعت حكومة الوفاق الوطني وهي ليست المرة الأولى إلى ترشيد الخطاب السياسي والإعلامي ووقف المناكفات والمكايدات وتوحيد الجهود لإنجاز بقية متطلبات المرحلة؛ وهو ما يؤكد أهمية ودور الإعلام إيجاباً أو سلباً في مختلف المتغيّرات التي يشهدها الوطن. الحكومة سبق لها أن تبنّت مراراً وتكراراً مثل هذه الدعوة؛ إلا أنها بقيت مجرد دعوة وخبر إعلامي ليس إلا، ولم تجد أية آذان صاغية لا من الإعلام الرسمي ولا من الإعلام الحزبي والمستقل، وتكرار مثل هذه الدعوة دون تفعيلها لن يؤدّي إلا إلى بقاء الخطاب السياسي والإعلامي على ما هو عليه دون أي تغيير إيجابي يُذكر. كما أنها تعطي انطباعاً أن الحكومة غير جادة في ترجمة دعواتها؛ وإلا لبدأت بترشيد الخطاب الإعلامي الرسمي المتهم بالانحياز وعدم الحيادية، وإيجاد آلية تكفل على الأقل التخفيف من حدة التوتر بين الشركاء في حكومة الوفاق الوطني كونهم أول المعنيين بإنجاح التسوية السياسية أو إفشالها. إن ترشيد الخطاب السياسي والإعلامي أصبح ضرورة وطنية ملحّة كونه المرآة التي ينظر من خلالها الآخرون إلى الأوضاع الداخلية في اليمن، ومن خلاله أيضاً يتم تقييم الأوضاع السياسية والاقتصادية سلباً أو إيجاباً لاسيما من قبل المستثمرين والسيّاح. التراشق السياسي والإعلامي السائد حالياً أضرّ كثيراً، ليس بالتسوية السياسية وحسب، وإنما بنقل صورة مشوّهة عن اليمن واليمنيين، وهنا لا نعفي الإعلام الرسمي من المشاركة في نقل هذه الصورة المشوّهة بطريقة أو بأخرى؛ حتى أصبحت اليمن من أكثر دول العالم توتراً، وأقلّها أمناً واستقراراً. الخطاب السياسي والإعلامي لا ينقل الحقيقة كما هي ويتعمّد المبالغة والتهويل، ويسهم في إثارة المخاوف في نفوس اليمنيين وغير اليمنيين، ونتمنّى أن تكون الحكومة ومن خلال دعوتها الأخيرة إلى ترشيد الخطاب السياسي والإعلامي قد أدركت المخاطر التي تترتب على هذا الخطاب، وتعمل على إيجاد آلية عملية تعيد الخطاب الإعلامي والسياسي إلى جادة الصواب وبما يسهم في إنجاح مساعيها في تهيئة الأجواء والبدء بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، وألا يقف دورها عند توجيه الدعوات فقط. لابد من أن يسهم الخطاب السياسي والإعلامي الرسمي وغير الرسمي في تجاوز كل إرهاصات الماضي، وتوحيد الجهود للانتقال باليمن واليمنيين نحو المستقبل دون أضغان وأحقاد وكراهية، فالجميع على سفينة واحدة ولابد من إيصال هذه السفينة إلى بر الأمان. [email protected]