يدافع عن كل قضايا الكون ويهرب من وجه قضيته.. مقطع من قصيدة للشاعر العراقي “مظفر النواب”، عادة ما أستحضره وأنا أستمع ليمنيين وهم يخوضوا في قضايا الدنيا، ويتبارون في إيجاد الحلول لها، بينما يفشلون في الوصول إلى حلول مناسبة لقضاياهم الوطنية، أو حتى الالتقاء على ما هو قائم، بل ويساهم أغلبهم في تجذير ما يؤدي إلى إعاقة بلوغ أي غاية وطنية يفترض أن تكون محل اهتمامهم. في موازاة ما يحدث في البلد من مخاطر تهديد لما تبقى من سلمه الاجتماعي ووضعه السياسي والأمني الهش، وحالات الفقر والعوز اللذان يعيشانهما اليمنيون، تصادف هناك من يغرد خارج الواقع العام، من هذه النماذج مثلاً، قيام خطيب جامع مدينة الحمدي السكنية يوم الجمعة الماضية بدعوة المصلين للتبرع للشعب السوري، وعند انتهاء الصلاة وقف عدد من الشباب بطريقة من يؤدي مهمة دينية غير عادية، وهم يدعون الناس للتبرع ويذكرون بحال الشعب السوري ويسوقون بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، أهمها “ما نقص مال من صدقة”، ابتسمت بسخرية وسألت نفسي: هل يمتلك اليمنيون من المال ما هو خارج حاجاتهم ليخافوا نقصه؟؟. نسي الخطيب وأولئك الشباب الملتحي، والذين لا أدري إلى أي جمعية ينتسبون، أن اليمنيين هم أفقر شعوب الأرض، وأن 70 % منهم يعيش تحت خط الفقر، أظن بأن الخطيب لا يركز على عدد الشحاذين في بوابة المسجد وباحاته، ناهيك عن أولئك الذين وبمجرد انتهاء التسليم يقومون بعرض حالاتهم برفقة عدد من الأطفال من ذوي الإعاقة وبطريقة مبتذلة تجسد الحالة المعيشية الفقيرة، ولا أظنه أيضاً لم يشاهد عدد الشحاذين في إشارات المرور، أو يقرأ أو يسمع عن التقارير المحلية والدولية على هذا الصعيد. على هؤلاء الباحثين عن رضى الخالق بهذه الوسيلة أن يعوا بأن الجياع في بلدهم هم الأحق بجهد من هذا القبيل، مع تقديرنا لحال الشعب السوري. كذلك هو الحوثي لم أتابع يوماً قناة فضائية اسمها المسيرة، لكنني وأنا أقلب في القنوات الفضائية صادف أن شاهدت عبدالملك الحوثي متحدثاً ولأول مرة كان يخوض في القضية الفلسطينية وإسرائيل، وبطريقة تؤكد أنها ما زالت مادة للمزايدة والاستهلاك لكل الأنظمة العربية والحركات السياسية بما فيها سلالية الحوثي. كالعادة كان مقلداً “لنصر الله” ويتكلم بطريقة من يمثل قوة دولية، بل وكأن احتلال فلسطين سيزول بثورة يقودها المذكور من كهوف مران، وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا. هو الآخر يدافع عن كل قضايا الكون، بينما في بلده يقوم بتقويض ما تبقى من أركان الدولة، يقتل ويدمر وينشر الفوضى، بل ويخوض حروباً طائفية ومذهبية وفي النهاية يقود حركة سلالية لا هدف لها سوى إرساء ثقافة الحسين وكربلاء ولطم الصدور وجلد الظهور، مستحضراً في سبيل ذلك خلافاً مضى عليه 1400 عام، إلا إذا كان يرى أن تحرير فلسطين وموت إسرائيل وأمريكا يبدأ بالاستيلاء على محافظات (شالوم) - عمران سابقاً – كامتداد لبطولاته المتمثلة في طرد يهود آل سالم ودماج وتدمير (معابدهم) في محافظة صعدة – يافا سابقاً. من طريقة حديثه يبدو أن الرجل واثقاً من نفسه من إمكانية القيام بتحرير فلسطين، فالواضح أنه يتكئ على عدد مهول من صواريخ (السوطي)، بعيدة المدى، وقنابل (الشمة CD) النووية... حال يجلب الحزن، ويحيط حياتنا بمزيد من السخرية.