نعم, ومادامت الزبالات تملأ الشوارع وكوارث البلاستيك والصراعات فوق وجودية “دولة” تهدّد خيارات المجتمع في الحياة؛ فهذا يعني أن الزبالات لاتزال عالقة في الوعي أيضاً بصورة أو بأخرى, والصراعات هي الموضوع الرئيس في أولويات المشهد الذي يستهدف إلهاء المجتمع عن أولوياته الوطنية وتحديداً في الخطوات التالية لما بعد الحوار الوطني الشامل. والهدف هو إعاقة تنفيذ المخرجات كوثيقة ملزمة دولية لكل الأطراف بتنفيذها, وغير ذلك من أسس “الهيكلة” للجيش والتي مازالت قوى بعينها تقف كمصدّات بمواجهتها وتحاول عرقلة استكمال خطوات كتلك مهمّة تحرّر الجيش من الارتهان لنافذين يختصرون الوطن ومقدّرات الشعب في مصالح أسر. كأنما نعيش قروسطيات مظلمة «قرون وسطى» في العام 2014م تتصدّرها صراعات ما دون وطنية وكوميديات سياسية حمراء وسوداء ومن كل لون؛ غير أنها ليست من التعددية الطبيعية في شيء, كون أحزاباً من كل الاتجاهات بلا استثناء لاتزال تعيش قبائليتها وبداوتها الخاصة بصورة أو بأخرى وإن بدت بعضها في خطابها بأفق حداثة الاصطلاح أو ترتدّي "جينزا". صرتُ أوقن اليوم كما لم أوقن من قبل أن هناك طرفاً ثالثاً في صناعة الطغاة والفساد وتعليب الأخير كمنتج “وطني” عالي الجودة, وإلى جانب المسؤول الفاسد فإن الطرف الثالث غير بعيد أن يكون آلة حقيقية لصناعة الفاسد السياسي والفساد الشامل..!!. وهو لذلك من يمنح الفاسد والمجرم والجنرال وأمير الحرب غالباً “منحة” الثقة والمشروعية كالعادة ودون أن يدري ربما كما فعل في مراحل انتخابية منذ أكثر من عقدين من السنوات وفي كل مرحلة انتخابية جديدة ومتوالية ودونما إخضاع الفاسدين والمعطّلين والمعرقلين لحياته كمجتمع لا يخضع مسؤولوه إلى أية مساءلة أو يضعهم في محك وعيه وتقييم أدائهم سلباً وإيجاباً, وبنقد ومسؤولية في انتزاع حقوقه كطرف يمثّل “رأي المواطن” أو ما يفترض به أنه يمثّل مشروعية “الجماهير”. بيد أنه لا يبدي حتى مجرد إحساس بالألم بالرغم مما يعانيه هو ذاته كطرف أساس باحتياجات ماسة في استقرار معادلة الحياة والشراكة السياسية, ولاتزال تتعاقب عليه تراكمات محبطة لتطلّعاته وآلام ومكابدات حد الجريمة, ولاتزال تكبح جماح طموحاته في تحقيق بناء الدولة واستقرارها نفس القوى الظلامية والكهنوتية في صراعاتها المحتدمة والتي لا تنظر إلى المجتمع وفق “حساباتها” سوى كطرف دون مستوى مصالحها منذ أكثر من نصف قرن، فهل يعي ذلك اليوم هذا الطرف الذي نعني به هنا لتستيقظ إرادته من سباتها..؟! نأمل ذلك. [email protected]