في الوقت الذي يرتفع فيه مؤشر التفاؤل إلى درجة الاستبشار بملامح الدولة المدنية التي تعتبر أمنية المستقبل القريب؛ خصوصاً أننا في مرحلة توصف بالانتقالية معوّل عليها تحديد مصير وتطلُّعات شعب جانبه الحظ كثيراً في إكمال المسار الثوري ليكون مجبراً على قبول أنصاف الحلول كنتيجة طبيعية لثقافة خاطئة اكتسبها المواطن من التعبئة الحزبية والطائفية. المهم أن التوقيت الذي من المفترض أن يمثّل لحظة تفاؤل يتحوّل بسلوكيات معيّنة من قبل الحكومة إلى مجرد وهم يجب ألا يرافق بؤس المواطن، لأن المدنية مصطلح أعمق من سطحية السياسات الحمقاء التي تفقد فيها الدولة هيبتها؛ حيث تعتبر أهم مرتكز لفرض هيبة القانون، وإلا يصبح الحديث عن المدنية في حالة غياب الدولة وحضور الشيخ بقوة لا توازيها بل تفوقها بكثير ضرباً من الخطابات الفارغة التي لا تعدو عن كونها مخدّر موقت لكلمة «لا» المردّدة كنشيد حرية في وجه الشعارات التقليدية التي تعيد صناعة نفسها بالمال والوجاهة وبحماية مكوّن معيق للحركة المدنية وهو الشيخ. فالحكومة حين تنهزم في فرض الأمن كوظيفة أساسية لها؛ يكون الظهور للمتسبّبين في صناعة الفتن والقلاقل، وخصوصاً إذا كان انهزامها بشكل اعتراف صريح من خلال لجوئها إلى الأساليب التقليدية ك«التحكيم القبلي» في حل النزاعات الداخلية، وهذا الأمر بحد ذاته يعزّز الوجود لمكوّنات كفيلة بإيقاف أي توجه مدني، وبالتالي يكون مركز القبيلة المتمثّل في الشيخ أقوى من الدولة العاجزة عن درء مفاسد العابثين بها؛ لنصل في نهاية المطاف إلى وضع محسوم بأننا بلا حكومة طالما ونظامها المؤسّسي عاجز عن تطبيق القانون كوسيلة حديثة بدلاً من الأعراف القبلية التي ستعيدنا إلى ما قبل العصور الوسطي. بقايا حبر القانون؛ هو الضابط الذي من خلاله يمكن معرفة مسار المدنية في أي بلد، وتفعيله يحتاج إلى شعب واعٍ متحرّر من التبعية بمختلف أشكالها، وإلى دولة قادرة على بسط هيبتها باعتبارها المتحكّمة في مصير جميع المكوّنات وليس العكس. [email protected]