قدّمت لنا الحروب الست بين القوات المسلّحة وميليشيات «أنصار الله» وقائع قاطعة في دلالتها على فشل وفداحة الخيار العسكري, وهذا ما أدركته مكوّنات المؤتمر الوطني للحوار الشامل, وقدّمت بمرجعيته خارطة طريق كاملة لحل أزمة صعدة وما يتصل بها من عنف وسلاح. نعترف ابتداءً أن جماعة «أنصار الله» تنظيم مسلّح بصورة أقوى مما يستحمله الواقع الاجتماعي والجغرافي لوجوده وحركته, ونعترف أيضاً أن البيئة الجغرافية والسياسية والشعبية المحيطة بوجود جماعة «أنصار الله» وحركته التاريخية منذ منتصف العام 2004م هي بنية مسلّحة, أيضاً ومغيّبة عن سلطات الدولة وسيادة القانون, وبهذا الاعتراف تكون المشكلة محدّدة بوضوح في شقّين؛ الأول: غياب الدولة، أما الآخر فهو الجماعات المسلّحة وصراعاتها السياسية. وهذه المشكلة تحدّد بوضوح أيضاً حلّها في مبادلة متعادلة بين حضور الدولة وتراجع السلاح الخارج عنها, وهو ما حدّدته وثيقة ضمانات تنفيذ مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والتي أكدت العمل بشكل حاسم على إنهاء جميع النزاعات المسلّحة وضمان وقف جميع أشكال العنف, في سياق عدد من الخطوات التي تهدف إلى تحقيق سلام دائم في اليمن, وتحقيق الأمن والاستقرار وبسط سيطرة الدولة. وهذه الحلول ليست باليُسر ولا السهولة التي تسطّر بها الألفاظ, فهي جزء من عملية معقّدة تحمّلها مهام إعادة بناء الدولة, وهي جزء من الصراع السياسي والاجتماعي المتشابك مع الخارج على عناوين طائفية ومذهبية؛ ذلك أن نزع سلاح «أنصار الله» يقتضي نزع سلاح الجماعات الأخرى من جهة, واتخاذ الخطوات لضمان حيادية مؤسسات الدولة وأجهزتها الأمنية تجاه الجميع من جهة أخرى, وبما يشمل تنحية مراكز القوى القديمة من قيادة الوحدات العسكرية, وإزالة بواعث التوتر الناجمة عن التحيّزات الحزبية والعصبية القبلية. وإذا كانت الشراكة الوطنية مدخلاً لحل الأزمة اليمنية الشاملة، فإن هذه الشراكة تتجسّد سياسياً بالمشاركة في المسؤوليات والخروج من عنق الاستفراد والاستئثار؛ وذلك يتحقّق ابتداءً بتجنُّب لغة التهديد والتخويف التي تعزّز واقع التمترس وتوسع دائرة التسلح لمواجهة الخصوم والحفاظ على الوجود والمصالح, هنا لابد لجميع الأطراف أن تبدأ من نفسها بناء جسور الثقة مع الخصوم والحلفاء باعتبارهم جميعاً شركاء في الوطن والمسؤوليات الوطنية. إن الذهاب من جديد إلى تحيُّزات الماضي في أزمة صعدة لن تقدّم حلاً وطنياً لها؛ ذلك أن استهداف فئة من الشعب أياً كان خطأُها يدفعها إلى التخندق في مواقع تعزّز الانقسام المجتمعي والاحتراب السياسي في وطن دمّرته الحروب وشعب يتطلّع إلى الانعتاق من الاقتتال والتدمير. [email protected]