العالم العربي يفتقد إلى ثقافة المراجعة، واستقراء ما يكمن في الأراشيف من معلومات وحقائق تساعد على استبصار الدرب نحو المستقبل وترشيد الخيارات وتأمين القدر المناسب من التوازن، ولهذا السبب وقعت سلسلة من البلدان العربية في مصيدة الربيع ومتوالياته الشاخصة إلى يومنا هذا. وما كان للنظام العربي أن يقع في هذه الحفرة لو عرف الماضي ليستشرف المستقبل، وما كان له أن ينهار كحجرة سقطت عن علياء شاهق إلى حضيض الوديان السحيقة لو أن عرَّابيه أدركوا تبعات المستقبل وضروراته، فالعرب ليسوا فاقدي إمكانيات مادية وبشرية وعلمية،؛بل ينطبق عليهم ما قاله الشاعر: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول منطق التخطِّي الإجرائي لمعنى الماضي المسطور ظهر جلياً منذ القطيعة غير المبرّرة للماضي، وذلك بُعيد الاستقلالات السياسية لعديد البلدان العربية التي تحوَّلت بين عشية وضحاها إلى جمهوريات؛ وذلك بقدر ممارستها لقطيعة منهجية مع الماضي. حدث ذلك في مصر واليمن والجزائر والسودان والعراق، ففي مصر ما بعد ثورة يوليو اعتبرنا العهد الملكي السابق عهداً رجعياً متخلّفاً بالجملة، وهكذا فعلنا في اليمن الشمالي، والسودان، والعراق، وكانت النتيجة تبلور جمهوريات اتوقراطية فردانية خرجت من إضبارة الاستيهامات السياسية، غير ذات الصلة بمنطق التاريخ والجغرافيا. وبالمقابل ظلَّت النماذج السلطانية في جوهرها، مُقيمة في بسائط ماضيها التليد متأبِّية حصراً على الإصلاحات الدستورية، وفي كلتا الحالتين الجمهورية والسلطانية، كُنَّا ومازلنا مُفارقين للتاريخ والجغرافيا وحكمة الخيار المستقبلي، مع استثناءات عابرة هنا وهناك. [email protected]