للفن دوره العارم في رفع وعي الإنسان وتحقيق التنوير والتثوير والارتقاء، إضافة إلى قلب أوضاع الثقافة السياسية والاجتماعية التقليدية. لذلك أقول: رحم الله الفنان الرائد علي بن علي الآنسي؛ كان نشيده الشهير الخالد «لبيك يا يمن الحضارة والخلود» الذي ظهر في الثمانينيات من كلمات الشاعر القدير عباس المطاع بمثابة بشارة وأيقونة زاخرة للإصرار والأمل بالنسبة لأبناء جيلنا اليافع حينها. والحاصل هو أنني أجدني دائماً في حضرة نوستالجيا شديدة من الحنين الطاغي إلى ذلك النشيد الشبابي المحفّز بنبالة وطنية رفيعة على حالة النهوض وعدم اليأس، خصوصاً بعد أن غمرتنا - ومنذ زمن طويل للأسف - حالة الكساح والنكوص الجمعي المريع، تلك الحالة اللدودة التي كرّست لنا أيضاً - وبشكل ممنهج كاد يقصم أحلامنا تماماً - كل هذه الخيبات المتوالية الصادمة التي لا أقسى منها. المقصد هو أنني مازلت أرى كل النُخب بمختلف مستوياتها لا تعادل شيئاً من الناحية الحيوية - في تأثيرها على مستوى الواقع اليوم - أمام ما تمثّله مضامين هذا النشيد الجبار من وجهة نظري. ولو بيدي مثلاً لقرّرته رسمياً - على رأس مصفوفة معتبرة من الأغاني والأناشيد التي تسقي الروح الوطنية الذابلة - في كل قرية ومديرية ومدينة إجبارياً وعلى الريق، بحيث يكون من أسمى المحفّزات القيمية واسعة الإجماع والدلالات والاصطفاف في اتجاه «الأيام الخضراء». على أن يترافق الأمر بالضرورة مع نوايا إجراءات حقيقية - لا شك فيها - نحو يقظة إصلاحات عاجلة على كافة أصعدة الإنسان والدولة والمجتمع؛ وإلا سيبدو الأمر مجرد سخف نحن في غنى عنه. لأنه ببساطة سيجعلنا نتمرّغ أكثر في الغيبوبة المخجلة التي دخلنا فيها ومازلنا نعاني تكرُّسها كنمط حياتي لا يتزحزح على الرغم من كل التضحيات الشعبية المهيبة للأسف؛ كذلك لربما أكون رومانسياً مبالغاً كما قد ترون. غير أنني أؤكد اعتزازي بعاطفتي التي لا يمكنني لحظة أن أخجل منها، فيما أرى أن كل الأحزاب والمنظمات والمثقفين في المقدّمة – دعكم من الشيوخ والمشائخ ومختلف نُخب الخراب طبعاً - لا يساوون وزناً لائقاً من تأثير فعلي للتقدّم الذي نريد مقارنة وما ينطوي عليه نشيد الآنسي الفذ من جذوة وعناد وطاقة خلابة في هذا السياق؛ بينما يعلو من همم الشباب الذين يمثّلون 70 % من تشكيلة الشعب، الشباب الذين يعانون الإهمال الصفيق، وهم وحدهم من يستطيعون حقاً تمثيل حالة الاستفاقة التي نحلم بها. ثم إن للفن معطياته الموضوعية في استيعاب وصيانة وحراسة ذاكرة المجتمع وتوجيهها بشكل تراكمي متجذّر وقوي للانتصار على حالة الهشاشة فردياً وعلى مستوى الدولة. ويبدو معلوماً أن الشباب هم الأكثر نزاهة والأكثر وطنية والأكثر تضحية في ثورة التغيير، كما أنهم الأكثر مغامرة والأكثر اصطداماً مع مراكز قوى التخلُّف والفساد، وبالتالي فإنهم الأكثر تطلُّعاً إلى اليمن الحديث والأكثر مراهنة عليه. بلغة أخرى يؤدّي التنكيل المستمر الذي يعانيه الشباب إلى معطيات مجتمعية نفسية لا تخلق دولة مشبعة كما ينبغي بثقتنا بها، بقدر ما يؤدّي إلى متاهات جديدة تعطّل المجتمع ولا تنقذ الدولة أبداً. [email protected]