علمتني دراستي الجامعية لعلوم الحياة والأحياء، حقائق وجوديه، ومعارف طبيعية ، لم ترشدني إلى ماهية الحياة ومجالها الحيوي فحسب، بل مكنتني بالمقارنة والتمييز من اكتشاف الامتياز الإنساني على الأحياء ومعالم ارتداده عن هذا المقام الكريم إلى الحيوانية الأدنى ، أو إلى ماهو أحط منها من معارف وممارسات الإنسان الأرقى . في العالم الحيواني يسود قانون التوازن الناظم لبقاء الأنواع ونمائها فلا يطغى التكاثر مثلاً على الاستهلاك، ولا يتجاوز الاستهلاك حدود الحاجة ومقدار إشباعها، فالحيوانات المفترسة مثلاً، تفترس عند الجوع ما يشبع جوعها ولا تمارس هذا السلوك بدافع آخر أو غايات أخرى ، فهي لا تفترس لكي تختزن حاجتها ليوم آخر، ولا تفترس أكثر من حاجتها لتحرم نظرائها من حاجتهم أو لتحتكر لنفسها الفرائس أو تهيمن عليها للتحكم بالموارد والسيطرة على عالم المحتاجين للغذاء والبقاء ولم يشهد التاريخ الحيوي للأنواع المفترسة حروباً وحشية للسيطرة على الموارد والأسواق ومن هذا نستنتج ببساطة أن الإنسان الأرقى هبط إلى ما هو أدنى من الحيوان ومن الحيوانية مقاماً وأنواعاً. يقول لنا علم الأحياء إن كل الحيوانات ليست عدوانية بطبعها فالافتراس سلوك طبيعي بحكم ا لحاجة الى الغذاء والبقاء والهجوم على الأحياء الأخرى خارج سياق الافتراس الطبيعي هو في حقيقته دفاع عن النفس ، فكل نوع من الأحياء ، فرداً كان أو في جماعة، يعيش في مجال حيوي معلوم لديه على الأرض ، فإذا اقتحم هذا المجال حيوان آخر اندفعت الحيوانات لدفع الخطر على حياته وصد التهديد القادم الى مجاله الحيوي مدافعاً عن حياته ابتداءً من الدفاع عن المجال المكاني لهذه الحياة في الأرض ولقد كان هذا من مفاهيم السيادة وحقوق الاستقلال في تاريخ الاجتماع الإنساني حتى جاء في ايامنا هذه من يهبط بمقام الانسان الى مرتبة احط من الحيوان، وهو يجاهر ويفاخر بالتفريط في سيادة وطنه واستقلال مجتمعه والخضوع للوصاية الأجنبية . تعارفت الحيوانات على حقها في المجال الحيوي وتعاملت مع هذا الحق بما تقتضيه حالات انتهاكه من قبل الغير بأن يبدأ كل حيوان من دفاعه عن هذا الحق من التحذير والانذار ليتراجع المخطئ ويواجه المعتدي بما تستحقه الحياة من دفاع عن مجالها الحيوي وسيادة أحيائها عليه، لكن الانحطاط العربي بلغ حدا تخجل الحيوانات منه فالكثير من عرب اليوم لا يكتفون بالتفريط بالسيادة الوطنية ومباركة العدوان عليها بل استدعوا الأجانب والغرباء وأعدائهم الأشداء الى بلدانهم لقتل اخوانهم ونهب ثرواتهم فهل شهدت مملكة الحيوانات جرذا او فاراً يستعين بالقطط على اخوانه ومكانه؟ بالتأكيد لا ، ولكن بعض العرب كانوا أحط من الجرذان . قد يقول قارئ ومعه حق فيما يقول إنه لم يحصل ان تعرض حيوان لبطش اخوته وتسلط ملأ منهم واستئثارهم بالثروات واستفرادهم بالسلطة والقرار ، كما فعل بعض حكام العرب سابقاً، ولا جدال في أن هذا أسلوب أحط مرتبة من الحيوانية ، غير أنه في الصراعات التي تحدث بين أفراد النوع الواحد من الحيوانات ، لا يلجأ الذين استضعفوا وقهرهم الأقوياء من مجتمعهم الى الغرباء أو حتى النظراء للانتقام من ظالميهم والثأر ممن بطشوا بهم وبغوا عليهم. وقد يضيف القارئ قوله أن الحيوانات تجهل الاستعانة بالغرباء على البغاة من إخوانهم، والحق ان الحيوانات لا تجهل هذا بل هي تعرف عدوها ولا تخدع نفسها بإدعاء صداقته ، لذلك كان دخول عدو الى حلبة صراع بين أفراد نوع من الأحياء وهم في صراع ينهي هذا الصراع ويحول جميع أطرافه الى جبهة واحدة في مواجهة الدخلاء والغزاة المعتدين ، لكن بعض العرب قدم وطنه وشعبه مجاناً لأعدائه التاريخيين ويستمر آخرون من هؤلاء في استجداء نصر على خصومه تمنحه له قوات الكيان الصهيوني وجحافل حلف الأطلسي ، فماذا تنتظر ممن انحط عن مقام إنسانيته إلى درك أحط من الحيوانات؟ قد يغفر لنا عجزنا عن البقاء في مقام الإنسانية الأسمى أن نحتفظ بطبيعتنا الحيوانية فنبقى عند طبيعتها وحدودها، لكن ماذا بعد ان عجزنا ان نكون مثل الحيوانات؟. [email protected]