يذهب فريق من علماء السياسة إلى القول إن السياسة خاصة في شق التخطيط والإدارة هي عبارة عن جملة من الاحتمالات المتاحة التي تحدد للعمل السياسي مواقفه وخياراته تجاه الحاضر والمستقبل، وعليه فإن الكفاءة السياسية هي التي تتعامل مع كل الاحتمالات الممكنة بما تقتضيه من تعزيز النجاح وتصحيح الخطأ. وفي سياق نظرية الاحتمالات هذه يصبح من الممكن خداع جموع الشعب أو أغلبيتهم في غمار ثورة أو في إطار المعارك الانتخابية، الأمر الذي يدفع المفكّرين السياسيين والمشتغلين في المجال السياسي إلى مواجهة هذه الاحتمالات، وتحديد الطرق المثلى للتعامل معها من جانبين، الأول: استباقي يحد منها أو يحول دون نجاحها، والثاني: علاجي، ويتصدّى للخلل ونتائج نجاح الخداع. في الجانب الأول؛ تقع كثير من الحركات السياسية في شرك الوصاية على الإرادة الشعبية فتميل إلى تبرير الاستبداد بتشريعات تزعم أنها تحصين للثورة وحماية للإرادة الشعبية ضد من تراهم خطراً على الثورة وأقدر على الخداع والتضليل فيمن تسمّيهم أعداء الشعب من بقايا النظام القديم أو قوى العمالة والفساد. ولما كان الواقع والتاريخ يؤكد أن هذه الحالة في نطاق الممكن والمحتمل، فإن الرشد السياسي يقتضي أن يكون التعامل معها في الجانب الاستباقي محكوماً بقيم الحرية وآليات الديمقراطية وبعيداً عن نزعة الوصاية والاستبداد وذلك يعني أن نضمن أمرين: حرية التعبير عن الرأي وضمان التعبير الحر عن الإرادة الشعبة والقبول بعد ذلك بما يصدر عن الإرادة الشعبية بحرية كاملة ونزاهة تامة وشفافية مقبولة ومعقولة حتى وإن وقعت في الخداع، فإذا تمكّن أعداء الشعب وقوى الثورة المضادة من خداع الجماهير بذات الشروط التي تضمن حرية الإرادة الشعبية فإن مواجهة هذا الاحتمال تقتضي ضمان حق الإرادة الشعبية في التعبير عن معارضتها للسلطة والعمل على تغييرها والنشاط سلمياً لإسقاطها ثورياً أو انتخابياً وهكذا نبتعد عن نزعة الوصاية التي تشرعن التسلُّط وتقيم الاستبداد منفتحين على بنية مؤسسية قائمة في السلطة والمجتمع تستبق الاحتمال كما تواجه حدوثه بذات القيم والآليات. لجأت قوى البديل السياسي بعد سقوط أنظمة الحكم في أقطار ما يسمّى «الربيع العربي» إلى تبرير التسلُّط وشرعنة الإقصاء والإلغاء تحت ذرائع تحصين الثورة وحمايتها من القوى المضادة لها ومن بقايا النظام القديم؛ فمارست العزل السياسي وأنشأت ما أسمته «لجان تحصين الثورة» متجاهلة أهمية تحرير الإرادة الشعبية وضمان حرية هذه الإرادة في التعبير عن خياراتها السياسية، والعمل على تصحيح ما وقعت فيه من أخطاء الاختيار تحت التضليل والخداع. [email protected]