لأننا شعب بسيط وكثيراً ما ننغمس في العشوائية والتواكل؛ فقد اعتدنا أن ننتظر نتائج لمقدمات مغايرة تماماً لما نريد الوصول إليه, ومثل ذلك تطلعنا إلى تعافي الوطن من الأزمة الاقتصادية التي استحكمت فيه منذ سنوات, مع أن خسائر الوطن لم تتوقف منذ 3 سنوات على الأقل جراء التفجير المتواصل لأنابيب النفط والغاز وتقطّع عملية التصدير التي ترفد خزينة الدولة بما يزيد عن الثلثين من الميزانية التشغيلية للأجهزة والمرافق وتمويل المشروعات الاستثمارية. ينبغي ملاحظة أن الجرعة المزمع تنفيذها لم تفرض نفسها اليوم بشكل مفاجئ, وإنما فرضت نفسها مع تفجير أول أنبوب نفطي, ورمي أول خبطة على محول كهربائي, واختطاف أول سائح أو مسؤول غربي يعمل في اليمن, ففي ظل هذا كله ومع استمراره خسرنا عوائد نفطية كثيرة وعوائد استثمارية تنموية وسياحية, تشير إليها التقارير بوضوح وبأرقام تفصيلية. وفوق ذلك, ظلت حكومة الوفاق ليس في أجندتها تنفيذ برنامج تقشفي لتغطية بعض العجز ومواجهة الأعباء الاقتصادية, فقد سارت الأمور بعد الثورة الشبابية الشعبية بشكل مألوف, وأسهمت حالة التوافق السياسي في ترك الفرصة للفساد ليواصل مشواره في النهب والتحايل وخلق الأزمات الواحدة تلو الأخرى, إضافة إلى تحمّل هذه الحكومة أعباء والتزامات إضافية, مثل الالتزام بصرف رواتب ستين ألف درجة وظيفية جديدة, وقد سمعت حينها خبيراً اقتصادياً يعلّق على هذه القضية بالقول: إن في هذه العملية ما يشبه الانتحار؛ فالواقع الاقتصادي لا يسمح بذلك بتاتاً. والتقشف في حقيقة الأمر قضية أذنبت فيها حكوماتنا المتعاقبة, فكم تحدثوا عن التقشف وبرامجه ولكن هذا الحديث ظل مجرد أمنيات وتصورات لا تجد طريقها إلى التنفيذ, وإذا أُغلق باب للصرف فُتحت أبواب أخرى تصب في خدمة النخبة, وكأن المطلوب من المواطن وحده أن يتقشف, أما المسؤولون فهم أولى بأن يوسع الله عليهم ويبسط لهم في الرزق. إن حكومة الوفاق في بداية الأمر على لسان رئيسها كانت تطمح لإيقاف ميزانية المشائخ؛ لكن يبدو أنها واجهت مصاعب لا تزال تجبرها على أن تتكيّف مع واقع متخم بالعشوائية والصرف العرفي على قاعدة المثل الشعبي (من ألّف وقطع كان عدواً مبيناً), وعلى الرغم من أن هذه الحكومة عملت على ترشيد كثير من أوجه الصرف؛ لم تتخذ حزمة من الإجراءات الضرورية وفق برنامج زمني يمتد عاماً أو عامين أو أكثر فيما يتعلق بسفريات مسؤولي الدولة والبنود الترفيهية التي يمكن إيقافها ولو بشكل مؤقت. ومن الضروري القول: إن تعامل الحكومة مع الملف الأمني ومدى صلاحياتها فيه وأثر طبيعة المرحلة والموقف من تنمّر من فقدوا مصالحهم؛ كل هذا كان من الطبيعي أن يلقي بظلاله على الواقع الاقتصادي وعجز الحكومة عن تحقيق التعافي المطلوب. واليوم تقف الحكومة أمام تحدٍ جديد يتمثل باستثمار بعض قوى الفساد والتخريب لهذه الأوضاع في تهريب المشتقات النفطية والمتاجرة السوداء بها في الأسواق المحلية. والحق أن هذه الحالة من الإفساد والتآمر لتأزيم الواقع لن تكون الأخيرة مادامت هيبة الدولة غائبة وعصاها متوقفة عن تأديب كل من يسيء إلى هذا الوطن بسلوكياته الأنانية التي لا يستعدي فيها الحكومة فحسب, وإنما يستعدي هذا الشعب المغلوب على أمره. باختصار: لم يعد مجدياً أسلوب التعايش مع الأزمات, ويبقى الحل اليوم وغداً بيد حكومة تأتي لتقلب الطاولة على هذا الواقع.. حكومة لا تتعثر بمبدأ التوازنات السياسية وسياسة الإرضاء.. حكومة تحرك الملفات الأمنية ضد عناصر التخريب والإفساد ويتحرك معها القضاء لإنزال أقصى العقوبات بكل من تمادى في الإساءة إلى هذا الوطن أو تآمر عليه.. وحينها ستثلج تلك الصدور العارية التي قدّمت أرواحها ودماءها في سبيل نهوض هذا الوطن وانتصاره على كل العوائق والمؤامرات. [email protected]