في ميزانيات الحكومات المتعاقبة تجد كثيرًا من الأموال المخصصة, وإن اختلفت مسمياتها, لا تخرج عن كونها مساعدات لا يترتب على صرفها عائد اقتصادي في بلد شحيح الإنتاج, وستجد كل الحكومات عازفة عن التفكير في كيفية الانتقال من أسلوب إعالة المرافق الحكومية والصناديق (غير المنتجة) إلى أسلوب الاستثمار والمشاريع التي تدر دخلاً على الفئة المستهدفة .. فلماذا تصر الحكومات بهذه الصناديق والمساعدات أن تعطي المستهدفين كل يوم سمكة, ولا تعلمهم كيف يصطادون؟ اليوم تأتي مشكلة المغتربين المرحّلين بأعداد هائلة من الجارة السعودية فلا يجد القائمون على الأمور غير التفكير بإنشاء صندوق لإيوائهم, وهي خطوة إيجابية نأمل أن لا تشوبها شائبة من فساد أو عمى يُقحم الشيخ والمرافقين وأولاد العم في قوائم المرحّلين من السعودية, لكن ماذا لو أن هؤلاء المرحّلين جرى استيعابهم في مشروع استثماري خاص بهم؟ مشروع تنموي يحولهم من منكوبين إلى طاقة بشرية منتجة. سيبقى هذا المشروع مجرد أمنية, لاسيما في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها حكومة الوفاق, إلى جانب بطء النمو الاقتصادي ومواجهة كثير من الأعباء التي خلفتها الأزمة السياسية منذ اندلاعها في 2011م, وإن كنت أومن بأن الحكومة لم تستطع أن تنتهج سياسة تقشفية تقلص من خلالها حجم المصروفات بنسب مجدية, وهذا ليس خطأها وحدها, وإنما هو أيضاً خطأ المرحلة برمّتها, فأنتم ترون أن قراراً حكومياً واحداً اليوم يحتاج إلى أسابيع أو أشهر لتنفيذه بسبب كثرة المهاترات والعناد السياسي .. صحيح أن الوفاق سائد بين أعضاء الحكومة, ولكن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل, كما هو اضح اليوم. المهم ان عودة المغتربين بهذه الأعداد الكبيرة ستزيد المشكلة الاقتصادية تعقيداً, وأنتم تعلمون أن المشكلة الجوهرية في اليمن اليوم هي مشكلة اقتصادية, ولذلك نقول: إن كل من يهمه استقرار اليمن لا بد أن يسهم في إيجاد حل لهذه المشكلة الاقتصادية, وأقرب ما يمكن الالتفات إليه في هذا الجانب هو المشاركة في الحيلولة دون مزيد من التدهور الاقتصادي, من خلال إيجاد حل لمشكلة المغتربين المرحّلين يضمن أولاً توفير البديل عن التحويلات المالية التي كان ولا يزال اقتصادنا يتكئ عليها كلما هوى إلى الأرض, وبما يضمن ثانياً إدخال هذه الشريحة في مشروعات استثمارية تستطيع على الأقل تخفيف الضغط الذي سيترتب على انضمام هؤلاء إلى صفوف البطالة, هذا ناهيك عن الأخبار التي تفيد بأن هناك من يستغل عودة بعض هؤلاء المرحلين ويغريهم بالانضمام إلى صفوفه, مستثمراً ما لديهم من شعور بخيبة الأمل. إذن مشكلة المرحلين في حقيقة الأمر أكبر بكثير من أن يتم مواجهتها بصندوق حكومي متواضع ..إنها مشكلة ستلقي بتبعاتها على الوضع الحالي للبلد, وسيتفاقم تأثيرها إذا ما جرى اتفاق المتحاورين على مرحلة تأسيسية لتنفيذ مخرجات الحوار, وعليه فينبغي أن يضع كل رعاة المبادرة الخليجية في حسبانهم أن معالجة المشكلة السياسية لن تؤتي ثمارها إذا لم تصاحبها معالجة أخرى للمشكلة الاقتصادية, ولا شيء أفضل من أن يتحرك الأشقاء والأصدقاء لتقديم دعم استثنائي يتمثل بحزمة من المشروعات التي تستهدف عشرات الآلاف من المغتربين العائدين. بغير ذلك ستظل مشكلة الأعباء الاقتصادية المترتبة على عودة المغتربين بمثابة عصا غليظة في دولاب التعافي السياسي والاقتصادي والأمني. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك