هذا عصر الإسقاط الفكري، والغلبة السياسية، والأخذ بوسائل التوغل في أدمغة الناس، وتسيير توجهاتهم، إسقاط فكر الإنسان يعني إسقاط لمقومات قيام دولة - دولة ذات توجه باني للإنسان والأرض. تمتلك الأنظمة مقومات الدول لأنها استطاعت أن تمتلك فكر الإنسان حين طوعته لتقبُّل سياستها، وجمدّت كل حركة نحو الوعي الفكري، وولدّت معها كل فكر مضاد قائم على التنصيص الممنهج أو عدم الخروج على فكر أو فئة أو نظام بخضوع مطلق، وتجريد عبودي. يختلف الحال بين (سباق الأدمغة) و (سقوط الأدمغة)، فالدول التي تجعل (حروب الأدمغة) هدفاً للبناء والتنافس العلمي الذي يتمخض عنه إحياء لمجالات البناء وتطويرها، وبين أنظمة دول ( تُسقط أدمغة) شعوبها ومفكريها نحو الانحطاط، والتبعية، والتطبيل، ولم تكتف بذلك بل خلقت حالة من المماحكات والتشفي. لا غرابة في تأخر الشعوب العربية وتحررها من التبعية، فقتامة المشهد، والدوران المهووس حول صنمية أنظمتها ومن قطاعات واسعة دليل على ربح الأنظمة في رهانات الإخضاع، وإسقاط الأدمغة للنُخب الفكرية قبل عامة الناس. النُخب الفكرية التي تخدم الأنظمة - مضللة للحقائق، مسبوقة الدفع، تبعية الانقياد، وهي مكسب للأنظمة وحرباء للتلون السياسي، وخسارة فادحة في حق الفكر والإنسانية. لن تبقى الأنظمة التي ترى الأوطان ملكية خاصة بعيدة عن المشهد السياسي، ولن تسقط ملحقاتها مادامت الأدمغة المتساقطة تُساق بحسب توجهات الأنظمة. الوعي بالواقع يسبق العلم المجرد، وهو خط الدفاع وسلاح المواجهة في وجه أسلحة الأنظمة ومناصريها، وليس هذا وحسب بل وينكشف الوجه المناصر المتخفي لهذه الأنظمة خلال مسيرتها. كأن غالبية مجتمعات الشعوب العربية في حالة ( تنويم ): عقولها بعيدة عن ما يحدث، وأجسادها هي التي تقدم الطاعة وتتجه أينما اتجهت أنظمتها، وما تقوم به (الأعمدة المنهارة) في ترويج لأنظمتها السياسية أو الدينية يمكن أن تفعل الكثير مما هو متاح لها لأن إسقاطات أعمدتها وجدت لها بيئة خصبة في سقوط أدمغة الشعوب. [email protected]