في رمضان تتصفد الشياطين بحيث تبتعد شرورهم وآذاهم عن بني آدم ويكفون أعمالهم الشيطانية عنه في شهر الخير هذا.. ولكن إذا كانت شياطين الجن قد صفدها الله من سابع سماه, فلماذا مازالت الشرور تتوافد علينا من كل حدب وصوب ونحن في الشهر الكريم شهر تصفيد الجن والشياطين؟ ربما ذلك يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن شياطين الأنس أشد بطشاً ووطأة من شياطين الجن المصفدين الذي أثبت الواقع بأنهم براء من أوزارنا التي نرميها عليهم كلما وقعنا في شر أعمالنا وفي سيئات تصرفاتنا. جاء شهر الرحمة والمغفرة ومع هذا ومازالت بلدنا محاطة بدائرة شرور عنيفة ومازالت لغة الرصاص تتحدث بأكثر من لغة ومازال قتل النفس المحرمة وإراقة الدماء البريئة مستمر ومازالت النفوس يؤججها البغض والشحناء والقتل لبعضنا البعض يمزق فينا كل إنسانية وكل معنى لارتباطنا بأرض اليمن ومازلنا بعيدين جداً عن أخلاقيات الشهر الفضيل بمسافات شتى ولم يشذب فينا نفوس تسعى للخير والسلام وتواري سوآت التناحر. فمتى يا ترى سننفك من دوائر الشر هذه ومتى نكسر قيودها التي غشت الأفئدة قبل القلوب والجميع يلقون باللوم على غيرهم ويبرئون ساحتهم من دائرة كلها نار ودمار في حين أن الجميع يتشاركون كل دمار حل بالوطن. ومتى سيدرك المتصارعون والمتناحرون فداحة تفكيرهم المنغلق والعدواني وتغليبهم لمصالحه القبيحة على المصلحة العامة والوطنية, متى سيدركون أن من يدفع الثمن هو الوطن والشعب جراء كل إجرام مازال يمزق فينا كل ممزق؟ فما دمنا في شهر المغفرة والتصالح لماذا لا يجعل الفرقاء السياسيون رمضان فرصة للتصالح ولترتيب إنسانيتهم التي قد تناسوها خلال المعترك السياسي الملطخ بالعنف وذلك كي يُخرِجوا الوطن من نفق الظلام الذي بات يشتد يوما بعد آخر؟ لماذا لا يحاولون أن يعودوا إلى أصلهم (يمنيون) بعيداً عن أدلجتهم التي كادت أن تودي بنا للجحيم وذلك كي يُقرِبوا وجهات النظر والتصالح على كلمة سواء هي اليمن؟, لماذا لا يوجدون أرضية للجمع بينهم دونما تضارب في المصالح ودونما التفكير بالأنا والقتل وذلك تجنبا لإراقة المزيد من الدماء اليمنية؟ لماذا لا يكون رمضان بداية خير للجميع كي ننتشل اليمن من مستنقع الدماء التي تغوص فيه؟ لماذا لم نختر إلا لغة البارود للتعبير عن رؤانا وقناعاتنا رغم أن هناك لغة هي الأقوى أن كنا نفهم ونعقل وهي لغة التصالح والتسامح ولغة الولاء لأرض اليمن؟ لماذا نسي المنتمون للأحزاب والطوائف والجماعات أنهم قبل أن يكونوا أحزاباً وطوائف وجماعات هم في الأصل يمنيون يجمعهم دم وأرض واحدة بينما فرقتهم أحزابهم وجماعاتهم؟ ليكن رمضان لنا, لا علينا فربما يستطيع أن يلم شتات الأرواح المتشظية ويجبر تكسرات الأفئدة المتناحرة، وفعلاً سيستطيع ذلك إن وجدت النوايا لإنقاذ ما تبقى من بقايا وطن يلفظ أنفاسه الأخيرة. فيا قادة الأحزاب وكل من في المعترك السياسي اليوم متى ستعترفون بمعنى المصلحة الإنسانية وليست الفردية والحزبية, المصلحة اليمنية للأرض والإنسان؟ ومتى ستبدأون بالمصالحة الروحية تمهيدا للمصالحة على أرض الواقع ؟ إلى متى سيظل اليمن في دائرة شرور وتناحر حتى في شهر الرحمة والتراحم؟ إلى متى ستظلون تناصبون بعضكم العداء ولم يتبق من اليمن إلا ركاد من أزمات تنعي بعضها بعضا؟ إلى متى؟؟