إنّ أعظمَ ثورة في دنيا الإنسان، خليق به أن يهبّ لتحقيق مبادئها قبل أن يفزّ إلى ثورته على الظلم والطغيان، بمختلِف صوره ومسمّياته وأقنعته، إذا ما انتصر فيها انتصر في الأخرى بدون عناء كبير وتضحيات جسيمة.. هي ثورة القلوب المحبة لإنسانية الإنسان على الأحقاد والضغائن وطوايا النفس البشرية. إنها ثورةً على النفس؛ أليست النفسُ أمّارةً بالسوء؟! وثورةً على الهوى؛ أليس (من اتّخذ هواهُ) قد ضلّ؟! وثورةً على الشيطان «وما يعدهم الشيطانُ إلا غروراً». ما أكثرَ آلهةً النفس والهوى والشيطان؛ لاسيّما في زماننا! وما أكثرَ ما تسوّل النفوسُ لأصحابها! وما يضلّ الهوى! وما يعد الشيطان ويمنّي! وإنّ أعظمَ أيام الإنسان لأيام محسوبة من عمره السنوي ما دام يدبّ على الأرض، لاسيّما يوم العيد.. إنه يومُ القلب المفتوح من كافّة نواحيه، مجموعُها في كلمة (الفضيلة) بكل خصائصها، ومصروفُها على أعمال القلب الذي يحيا بها: فناحية للتراحم وصلة الأرحام، وناحية للتسامح ونسيان الضغائن، بعيداً عن حدود القلب، وناحية لزيارة الجيران والمرضى، وناحية لتفقّد الأرملة واليتيم والمسكين وتلمّس حاجاتهم، وناحية للصفح والتصافح، وناحية للتهنئة والابتسام، وناحية للزينة والمظهر الجميل، وناحيةٌ...، وناحيةً...، وناحية.. ما أكثرَ نواحيَكَ أيها القلبُ كلّ أيام العام.. لكنّها أكثر في يوم واحد.. يوم العيد إلا ترى الناسَ – رجالاً ونساءً وأطفالاً، وبدرجاتهم الإيمانية المتفاوتة – قد تجمّعوا من كل حدَب وصوب؛ يجمعُهم ربٌّ واحدٌ، وعبادة واحدة، ومصلًّى واحد! وما إسن يتمّوا صلاة العيد حتى تراهم (أغنياءهم وفقراءهم، كبراءهم وأرقّاءهم، علماءهم وجهّالهم، أصحاهم ومرضاهم...) كأنهم من فرحهم بهذا اليوم – زماناً ومكاناً - أبناءٌ لبطنٍ واحدة، وأمٍّ واحدةٍ ، وجيلٍ واحدٍ، ومستوىً اجتماعيٍّ واحد!