إذا كان التغيير عملية إيجابية تحقّقها أداة ثورية أو تفرضها تراكمات طبيعية؛ فإن التدمير عملية سلبية تعمل على تفكيك البنية المجتمعية وهدم مقوّماتها الوجودية في الأرض والبشر والكيان الناظم لهذا الوجود، والمثال القائم للتغيير تقدّمه الحالة التونسية بعد العام 2011م، بينما تقدّم الحالة الليبية مثالاً للتدمير. التغيير معنيٌ بالقواعد الظالمة التي يقوم عليها النظام العام وسلطته الحاكمة في مجتمع إنساني معيّن، وينشد استبدال هذه القواعد بأخرى تحقّق الصالح العام لكل أفراد هذا المجتمع، ولهذا كانت الحالة التونسية مثالاً للتغيير المنشود سياسياً واجتماعياً من حيث هي حركة احتجاج شعبي ضد القواعد الظالمة في سلطة الحكم نجحت في صناعة فرصة جديدة للتحوّل نحو بديل سياسي مقبول ومنشود.. أما التدمير؛ فهو عدوان على الوجود ومقوّماته المجتمعية والسياسية ويتحقّق بكل الوسائل المتاحة لتنفيذه في الواقع بغض النظر عن شرعية هذه الوسائل وعن النتائج التي تقود إليها، ولهذا كانت الحالة الليبية مثالاً للتدمير الذي استهدف الوجود الليبي برمّته ونفّذته قوى العدوان الأطلسي بدوافع وغايات لا تهتم بالأفعال ونتائجها إلاِّ من حيث هي أداة لخدمة مصالح القوى المعادية ولتدمير الوجود الليبي ومصالحه. ربما يكون الغياب المستمر أو التغييب المقصود لاسم الدولة الليبية مؤشّراً دالاً على فعل التدمير الذي أصاب الوجود الليبي؛ ليس فقط في القضاء التام على هوية هذا الوجود في عهد جماهيرية الشهيد معمر القذافي، ولكن أيضاً في تغييب البديل لهذه الهوية الذي يحمله الاسم الجديد لليبيا ما بعد القذافي ويدلُّ على هويتها في نظام بديل للجماهيرية محدّد بجمهورية ثورة الفاتح أو ملكية ما قبلها خصوصاً بعد استبدال الراية الخضراء براية العهد الملكي.. وبينما تحتفظ حالة التغيير في تونس بمقوّمات الوجود المجتمعي والسياسي لتونس؛ فإن التدمير السائد في الحالة الليبية يتجسّد في واقع الفوضى الناجم عن تفكُّك الدولة وليس فقط سلطة الحكم لصالح جزر مبعثرة على الأرض وموزّعة بين العصابات المسلّحة المتناحرة بلا حدود أو قيود. ولأن حالة التدمير فعل عدواني تحقّق في ليبيا بقوة الدمار الأطلسي وعمل أدواته الميدانية من العصابات المسلّحة؛ فإن التدمير يتّجه بليبيا نحو التفكُّك الكامل على هويات قد لا تستعيد النمط الاتحادي في عهد الملك السنوسي. وسوف يستكمل التدمير مهمّته العدوانية في ليبيا وضدّها بذات الأداة التي نفّذته سياسياً وعسكرياً حين تستدعي الفوضى قوى حلف الأطلسي إلى مصالحها الكامنة في نفط ليبيا وثمارها؛ عندها فقط يختفي الوجود الليبي اسماً وكياناً لصالح شتات كبير. [email protected]