سيبدأ العام الدراسي قريباً وستبدأ معه رحلة جهل جديدة يقف خلفها جيش من المعلّمين والموجّهين غير المؤهلين والمدربين لتقديم المادة العلمية بمهارة وأمانة أيضاً.. مشاكل التعليم عندنا لا حصر لها، ذلك لأنها عبارة عن هرم من المخالفات والنوايا المتقاعصة عن أداء واجبها، ناهيك عن بقاء الساحة التعليمية كحلبة احتياطية لشتى أنواع الصراع السياسي والحزبي. يعود عام دراسي جديد ويعود الكتاب المدرسي بحلّته البالية المرقعة بالبلادة والركود، ولهذا ستكون مخرجات العام الجديد صورة طبق الأصل من مخرجات عام ولّى وانتهى بكل إخفاقاته الهزيلة والمخجلة. فالطالب يتخرّج من الصف السادس بخط رديء وأساسيات إملائية ركيكة وعدم قدرة على الرسم أو التعبير.. وهنا يأتي السؤال: ما هو الدور الذي يجب أن يلعبه معلمو المرحلة الابتدائية حتى نتجنب الوقوع في هذا الفخ التعليمي الكبير؟! إن من أولى الأولويات من جهة الحكومة ممثلة في وزارة التربية والتعليم هي تأهيل وتدريب كادر تعليمي خاص لتدريس المراحل الابتدائية وإيجاد لجنة إشرافية ورقابية عبر موجهين أكفاء يمكن عن طريقهم تقييم النتائج وقياس الأثر الناتج عن تطبيق سياسة تعليمية جديدة تستهدف اكتشاف مهارات وقدرات الأطفال وصقلها بمهارة واقتدار على أن يتم اعتماد القراءة كمفتاح لكل العلوم الإنسانية والرياضية والكونية والطبيعية.. بعدها يقوم معلّمو المرحلة الاعدادية بتشذيب وتنظيم تلك الباقة من مهارات القراءة والأداء اللغوي لتوظيفها في اكتشاف عالم القراءة والاطلاع وتدريب الطلاب على كتابة الأبحاث أياً كان نوعها لرفد المكتبة المدرسية بنماذج مختلفة من الأبحاث والدراسات المبكرة التي يمكن أن يكتشف المعلمون من خلالها عبقرية الطلاب الذين لا يمكن اكتشاف عبقريتهم في صفوف(الماشية) وسراديب الضأن التي نحن عليها اليوم. وحين يصبح الطفل من هؤلاء على أبواب المرحلة الثانوية يكون قد استطاع تحديد مجاله العلمي بدقة متناهية، بل قد يصل أيضاً إلى درجة تجسيد مشروعه الخاص عبر جدوى اقتصادية ومجتمعية ناجحة ومتميزة ومواكبة للتوجه الاقتصادي العام في الوطن. فأية صعوبة في مشاريع تستثمر عقلية ومهارات الجيل مثل هذه؟! وهل يحتاج الأمر إلى ميزانية باهظة وبرامج مطورة؟!.. الأمر لا يحتاج إلى هذا بمجمله، خاصة إذا عمدت هذه السياسات التربوية الجديدة إلى اعتماد القرآن كمنهج أساسي لتعليم القراءة والكتابة.. هنا فقط سنكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد كما يُقال. فقد غرسنا فيهم قيم القرآن التي تحول بينهم وبين الانزلاق في وحل الخطيئة والعصيان، كما إننا علّمناهم القراءة والكتابة من منبعها الصحيح والحقيقي. المثير للسخرية والحزن معاً هو أن تتعاقب وزارات تلو وزارات تربوية ويبقى الحال على ما هو عليه.. فهل هي السياسة أم متلازمة التحزّب والأحزاب، أم هو الطموح الذي يفتقده رجال الدولة عندنا؟. لا أدري فعلاً ما هو السبب الذي يجعل وزارة لهذا القطاع الديناميكي الهام تسير بلا خطط واعية لإخراج الجيل من جلباب الجهل الذي أصبح فضفاضاً بما يكفي ليسع الشعب بأكمله. في نهاية الأمر يجب أن يعلم الآباء والأمهات حجم الخطر الذي يحدق بأبنائهم أمام هذه الرؤية العائمة للسياسة التعليمية في الوطن.. لهذا عليهم التسلّح بأدوات وطرق تدريس جديدة ومثيرة وقادرة على لفت نظر أطفالهم بقوة إلى الاهتمام بالقراءة وتدريبهم على ممارستها في كل مكان وبأساليب تربوية وترفيهية مختلفة ومبتكرة حتى يتم تقبّلها واستيعابها بشكل أفضل.. إنه الحل المؤقت لمشكلة السبات العميق الذي تعيشه سياسة التعليم في الوطن.