أصبحت كل القوى السياسية في مأزق كبير، إذا تأزم طرف من هذه الأطراف قال يجب تنفيذ مخرجات الحوار؟ أما إذا اشتدت الحرب وسالت الدماء النازفة والمذابح المرعبة، نادي المنادي: أين الدولة؟ لا يمر يوم إلا ونسمع بيانات سياسية وخطابات وتهديدات، ولكن أقسى ما نسمعه هو ما نراه ونلمسه من المدونين والإعلاميين التابعين لحزب ديني يصرخون ويلومون ويخوّنون ويستعدون الآخرين بسبب وبدون سبب. ولست بحاجة للقول إن الاثنين لا يجتمعان: تطبيق مخرجات الحوار الوطني والدعوة للمشاركة في الحرب وتخوين الآخرين لن يختلف أحد من اليمنيين على أن المليشيات المسلحة تشكل معضلة كبرى للأمن القومي اليمني، لكن ينبغي التعامل مع المليشيات بشكل عام، مليشيات الحوثي ومليشيات الإصلاح ومليشيات الحراك المسلح وغيرها من المليشيات المسلحة التي ستظهر هنا وهناك فعندما توجد مليشيات مسلحة فإن الوطن ينقسم، وعندما تصير هذه المليشيات مقاتلة فإن التوازن يختل، وعندما تريد هذ المليشيات الجمع بين السلاح والسلام والتعايش، فإننا نصبح أمام نوع من الخداع المستمر. نتيجة هذا التناقض فإن إدارة الصراع قد غاب عنها قدر كبير من الحكمة، وحضرت القوة والمغامرة والمقامرة، لقد سعت المليشيات المسلحة إلى نسف كل ما جرى إنجازه والإطاحة بالإطار القانوني الذي يعترف به العالم وهو الديمقراطية المنبثقة عن التعددية السياسية، هذه المليشيات تتخذ قراراتها حسب ما اتفق فلا توجد حسابات لتوازن القوى، ولا يوجد حساب للظروف الجارية والضاغطة في البلاد، وعندما رفعت المليشيات أسنة سلاحها أريق الدم في عمرانوالجوف وأبين وشبوة وحضرموت والبقية تأتي وذبحت القاعدة من ذبحت. ولا شك أن ذلك يجري بسبب خلل كبير في مجتمعنا اليمني من أول التكيف المناطقي وحتى الأمراض المذهبية التي غالباً لا نعترف بها، حتى لا نقوم بمواجهتها، نحن اليوم أمام صورة هزلية للوطن والقوى السياسية جميعها مسئولة عن ذلك بدون استثناء نحن أمام مهرجّين أخذوا البلاد كلها إلى الدمار والتقسيم والشعب يسير وراءهم مغمض العينين إلى هذه النتيجة التعيسة. ولست بحاجة للقول إن الذين اصطفوا في شوارع العاصمة صنعاء وشوارع عواصمالمحافظات في عام 2011م يتحملون كامل المسئولية عما يجري اليوم، فهم الذين شرعنوا اللجوء إلى الشارع وهم الذين نسفوا كل القيم والأخلاق، واختصروا مشاكل اليمن بشخص واحد وتحالفوا على إسقاطه ولم يتحالفوا على إسقاط الدماء والثأر الذي بينهم فبمجرد ما ر حل الرجل استل كل طرف سلاحه وشرع في قتل الآخر. والسؤال الذي يضع نفسه: كيف أصبح المثقف اليساري واجهة مزيفة للإخوان المسلمين وللحوثي؟ وماهي طبيعة النشوة التي استمدها الناصريون في قبولهم أن يكونوا ضمن التكفيريين؟ ثم كيف ارتد أساتذة الجامعات وبعض الكتاب والشعراء إلى مهاوي المناطقية والطائفية. لقد تحول كل هؤلاء إلى أطفال سذج أميين لا يقرؤون التاريخ الذي نصحهم بقراءته جدهم ماركس وزعيمهم ناصر. لقد جاء هؤلاء إلى الثورة المزعومة بأجندة غير وطنية، فقد قدم الإعلام الغربي وثائق كثيرة توضح ما سمي بالربيع العربي والخطط المرسومة من قبل دول غربية وإقليمية لإغراق اليمن بأزمة مستديمة، وهاهم ثوار الأمس يتقاتلون اليوم في الجوفوعمران وحجة وربما غداً في العاصمة صنعاء. قلت لبعض الأصدقاء في بدايات الأزمة، إن ثورة تفشل في مخاطبة شخص مثلي، والكثيرين من أمثالي لن يكتب لها النجاح، أليس من المستغرب هنا أن تفشل ثورة تضم في صفوفها حزب الإصلاح والحوثيين واليساريين وبعض القبائل؟ لا يمكن لثورة أن تنجح إذا كانت أكثر فساداً ودموية من النظام الذي كان سائداً، لقد هددت الثورة المواطن اليمني ليس بمصادرة حريته السياسية فقط، بل الدينية والاجتماعية والثقافية ومزقت البلاد، وحملت بذلك بذور موتها، لقد قال الشاعر العربي أدونيس: لا تبني المستقبل بالماضي، مهما كان هذا الماضي حاضراً وفعالاً والشعوب الحية تبني مستقبلها بتجاربها الواقعية وإبداعاتها وليس بذكرياتها وأحوالها الماضية، لقد حولوا اليمن إلى بلد للعصبيات والثأر والكراهية والانحراف والقتل ويعتبرون العمالة وطنية. رابط المقال على الفيس بوك