تحوّلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحات حرب حامية الوطيس بين فُرقاء السياسة، شركاء الوطن ما يعكس حالة الانقسام والتشظّي التي وصل إليها مجتمعنا اليمني الغارق حتى أذنيه في وحل الصراعات السياسية والحزبية والمذهبية والمناطقية والطائفية ما يزيد من تعقيدات الواقع اليمني ويجعل المشهد أكثر ضبابية في عيون لم تعد ترى غير الدم المسفوك وجثث القتلى ودخّان الحرائق والميليشيات المتقاتلة المدجّجة بمختلف أنواع الأسلحة، مما يشعرنا بالخوف أكثر من هذا الواقع الملغوم بكل أفكار التطرُّف والإرهاب والمشبع بثقافة الحقد والكراهية..!!. ولا أتجاوز الحقيقة هنا إذا ما قلت إن مقولة «الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية» قد سقطت وثبت فشلها في مجتمعنا اليمني الذي فيه الخلاف في الرأي سبب في قطع كل حبال الود وجسور التلاقي، وغالباً ما يقودنا إلى التناحر والاقتتال وما يعيشه اليمنيون اليوم من مأساة هو بسبب اختلافهم في الرأي قبل أي شيء آخر، فالمفهوم الخاطئ للديمقراطية وحرية الرأي والتعبير هو الذي قادنا إلى هذا الوضع المأزوم وأدخلنا دائرة الصراعات اللا متناهية. وإذا ما تتبعنا الحرب «الفيسبوكية» سنجد أنها تقوم وفق قاعدة «إن لم تكن معي فأنت ضدّي، وما دمت ضدّي فأنت عدوّي، وما دمت عدوّي فلابد من القضاء عليك، فلا رأي لك ولا حوار معك ولا قبول بك» وهذا يعني من وجهة نظر هؤلاء أن الاصطفاف في خندق الحزب والمذهب والقبيلة أهم ألف مرّة من الاصطفاف في خندق الوطن. ولستُ هنا مع من يقول إن ما نقرأه على صفحات التواصل الاجتماعي مجرد كلام لا يعبّر بالضرورة عن قناعة كاتبه وحقيقة نظرته إلى الآخر المختلف معه؛ لأن من يقرأ الكلمات المستخدمة سيدرك أن الخلاف لا يقف عند حدود الرأي ولكنه يتجاوزه إلى أبعد من ذلك بكثير، وأن ثقافة المتقاتلين بالكلمات في ساحة «الفيسبوك» هي ذاتها ثقافة المتقاتلين بالرصاص والقذائف وراجمات الصواريخ في أكثر من محافظة، وهي أيضاً ثقافة الإرهابيين من تنظيم «القاعدة» وغيره، وإن كل هؤلاء وإن اختلفت أحزابهم ومذاهبهم وقبائلهم إلا أنهم جميعاً تشرّبوا حتى الثمالة من ثقافة واحدة ولديهم نزعة متطرّفة تقوم على الاستبداد والتهميش والاقصاء ورفض أي تقارب أو تعايش مع الآخر المختلف معهم. ولهذا تتسع دائرة خلافاتهم وتتشعّب وتضيق معها مساحات التقارب والالتقاء، ويتحوّل الوطن إلى غابة وفيها البقاء للحزب الأقوى والمذهب الأقوى والقبيلة الأقوى..!!