التكتل الوطني يحذر من تفاقم الأوضاع ويدعو الرئاسة والحكومة لتحمل مسؤولياتهما    الهيئة الوطنية: مليشيا الحوثي تدير 778 سجنًا تمارس فيها أنماطًا ممنهجة من التعذيب    عدن.. انعقاد الورشة التشاورية لصياغة خطط حماية المرأة ضمن برنامج تعزيز الوصول إلى العدالة للنساء والفتيات    عن الهجرة العظيمة ومعانيها    إدارة أمن عدن توضح حول اقتحام مسجد في المنصورة وتلمح إلى الاسباب    كلمة السيد القائد بمناسبة ذكرى الهجرة النبوية وآخر المستجدات (فيديو)    الانتقالي: ثمرة نضال الشعب الجنوبي وتضحياته    وفاة واحد من ابرز الجيولوجيين اليمنيين    عبده شرف الشامخ بفكره وعلمه ومبادئه    مبابي يتهم باريس سان جيرمان بالتعامل معه بطريقة "غير أخلاقية"    مقتل 29 تلميذا في افريقيا الوسطى    القائم بأعمال رئيس هيئة مكافحة الفساد يهنئ القيادة الثورية والسياسية بالعام الهجري الجديد    اليمن وثمن اللاحرب واللاسلم .. خذو العبرة من حرب ال12 يوم..!!    الخامنئي: انتصرت الجمهورية الإسلامية في هذه الحرب ووجهت صفعة قوية لأمريكا    اعتراف صهيوني : اليمنيون هم القوة الوحيدة القادرة على الصمود ومواصلة الحرب    الارصاد يتوقع استمرار هطول الامطار الرعدية على المرتفعات    صفقة جديدة تثير الجدل في ليفربول.. ومخاوف من التأثير على دور محمد صلاح    راتب ميسي يفوق سقف 21 فريقا بالدوري الأمريكي20 مليونا و446 ألفا و667 دولار    واتساب WhatsApp يحصل على 8 ميزات جديدة هذا الأسبوع على أندرويد و iOS.. إليكم قائمة الميزات    باقزقوز لسلطة صنعاء: تحصين الجبهة الداخلية بانصاف المظلومين ومحاسبة الفاسدين    الإنتر ينهي مغامرة ريفر بليت    محكمة تُديّن اتحاد القدم بالاحتيال    الدولار يسجل مستويات متدنية وسط مخاوف أمريكية    شرطة تعز تلقي القبض على متهم بارتكاب جريمة قتل في مديرية مقبنة    استبصار وقراءة في سردية احمد سيف حاشد الجزء الثاني (فضاء لايتسع لطائر)    زينة: «ورد وشوكلاته» يكشف مشاكل الشخصيات    كازاخستان.. اكتشاف قطع أثرية تعود لعصر قبيلة الساكا    الإفلاس.. شبح حطم أندية ليون وبارما وبوردو    من الماء الدافئ إلى دعامة الركبة.. دراسة: علاجات بسيطة تتفوق على تقنيات متقدمة في تخفيف آلام الركبة    بفاعلية الحقن ودون ألم.. دراسة : الإنسولين المستنشق آمن وفعّال للأطفال المصابين بالسكري    طرق الوقاية من السكتة القلبية المفاجئة    تسجيل هزات أرضية من المياه المجاورة لليمن    من يومياتي في امريكا .. مرافق بدرجة رجل أعمال    من الدول الجديدة في اتفاقية ابراهام؟    كيف نطالب بتحسين الأوضاع    استئناف نقل النفط الخام من عقلة شبوة لكهرباء الرئيس    رشاد العليمي..تاريخ من الغدر والخيانة: زملاءه أعدموا وهو أصبح وزير    من يدير حرب الخدمات وتجويع المواطنين في عدن؟    - *القيادات الإيرانية "تعود من الموت".. وإسرائيل تتخبّط وسط اختراقات أمنية وخلايا تتبع لطهران*    فعالية ثقافية في مديرية السخنة بالحديدة إحياءً لذكرى الهجرة النبوية    العيدروس يهنئ قائد الثورة ورئيس المجلس السياسي بالعام الهجري الجديد    برشلونة يعود إلى ملعب كامب نو 10 أغسطس المقبل    تحذير أممي من استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن    عينيك تستحق الاهتمام .. 4 نصائح للوقاية من إجهاد العين في زمن الشاشات والإضاءة الزرقاء    جرعة سعرية ثالثة على البنزين في عدن    5 مشكلات صحية يمكن أن تتفاقم بسبب موجة الحر    افتتاح مشاريع زراعية وسمكية بأمانة العاصمة بتكلفة 659 مليون ريال    الشاعر المفلحي.. رافعات الشيادر روحن فوق جيل الديس    تجارة الجوازات في سفارة اليمن بماليزيا.. ابتزازًا مُمَنهجًا    تشيلسي يغتال حلم الترجي بثلاثية قاسية    صنعاء .. البنك المركزي يوقف التعامل مع 9 منشآت وشركات صرافة وبنك وشبكة تحويل أموال خلال يونيو الجاري    تاريخ المنطقة خلال سبعة عقود تم تلخيصه في عامين    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    كفى لا نريد دموعا نريد حلولا.. يا حكومة اذهبي مع صاروخ    حين يتسلل الضوء من أنفاس المقهورين    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    الحديدة و سحرة فرعون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السلاح كنص مفتوح..!!
نشر في الجمهورية يوم 24 - 10 - 2014

لا يوجد شعب مولع بالسلاح في العالم العربي مثل اليمنيين، بل إن عدد قطع السلاح يفوق عدد السكان، فمن المنظور الثقافي يُعد السلاح مصدر فخر في المناطق القبلية، كما يحدّد المكانة الاجتماعية لحامله؛ غير أن الظاهرة انتشرت خارج الحدود القبلية منذ فترة التسعينيات من القرن الماضي، وصارت المدن الرئيسة بؤرة أفعال المسلّحين وانزياحاتهم الخاصة.
لذلك تصعب محاربة الإرهاب سلوكاً وثقافة في اليمن، ففي بلد متخلّف شديد الأمّية انحسر فيه الفن المسرحي وتلاشت دور السينما وألغيت حصص الرسم والموسيقى من المدارس، على عكس ما كانت عليه في السبعينيات والثمانينيات؛ صار السلاح هو المظهر الأساسي والبارز في الحياة اليومية لليمنيين.
ولعل أبرز مشكلات هذا الحس الثقافي الطاغي إقصاء المدنيين والنظر إليهم بازدراء كونهم ليسوا مع الثقافة النافذة؛ كل ذلك جعل السلاح هو النص المفتوح في المجتمع، والشاهد هو أن السلاح يغتال ما تبقّى من أحلام اليمنيين بالتعايش والازدهار والسلام.
فاليمن هي البلد الثاني على مستوى العالم في انتشار السلاح بعد أمريكا؛ إلا أن الفارق الجوهري بين الدولتين يكمن في عدم امتثال العقل اليمني المسلّح للقانون المنظّم، ففي اليمن أسواق خاصة لبيع السلاح، كما تخلّت الحكومة عن دورها في الحد منه بعد أن فشلت فشلاً ذريعاً في إيجاد آلية توعية مطلوبة تسهم في خلق وعي شامل لدى كافة الشرائح ضد حيازته ومخاطره.
على أننا بقراءة المعنى ودلالاته في تمثّلات اليمنيين لثقافة التسلّح، نكتشف أن القيمة العرفية في القبيلة هي المحدّدة للأخلاق، فالسلاح ظاهرة قبلية لها صلة بالاستقواء والسيطرة، فضلاً عن أن التفكير المسلّح هو تفكير أصولي بالأساس، ولذلك نفسّر دفع الحركات الدينية أفرادها للتسلُّح بغاية التمكين.
بالمقابل ثمة إجماع بين النُخبة على أن توطيد مظاهر توريث مهيمنات التعسف والقدامة هي لإقصاء كتل الحداثة والتنوير، وكان وحده الحزب الاشتراكي قبل الوحدة استطاع أن يحدّ من السلاح لدى قبائل الجنوب سابقاً لاسيما أن ذلك جاء مع توجُّهه الجاد لتعزيز ثقافة المدنية والقانون والتقدّم واحترام الدولة.
أما اليوم فإن تمجيد ثقافة التسلُّح هي الغيبوبة الجماعية لليمنيين، إنها متلازمة الغلبة وتأكيد البُعد العنفي لطابع القطعان الذين ينقادون وراء عملية إجبار المختلّف، لكنها المتلازمة التي تضفي طابع التراجيديا على فقراء يتم استلابهم وحصرهم في كوميديا أوهام امتيازات التخلّف بالمحصلة.
هذا يعني أن تدهور الذوق الجمالي العام، واتساع الفجوة الفنية والذوقية بين الإنسان اليمني المعاصر وتراثه الجمالي والفني المتعدّد والأصيل هو ما يؤدّي إلى فقدان الهوية الفنية والحضارية للشخصية اليمنية كما يرى الدكتور شوقي الحكيمي، وبرأيه فإن الإصلاح الثقافي والفكري يجب أن يجري في عمق منظومة القيم الحاكمة بوعي التذوق الفني والجمالي لإصلاح الأفراد والجماعات.
وتتجلى تمظهرات السلاح أكثر من غيرها في قبائل الشمال على وجه التحديد، كما تترسّخ الصورة الذهنية لليمني بأنه كائن يتمنطق بندقية أو على الأقل خنجر على خصره «الجمبية كما تسمّى شعبيا» ومن الناحية الابستمولوجية يدأب اليمني على تذكُّر أنه كائن محارب منذ فجر التاريخ.
ولئن كانت كل قبيلة تحتمي من الأخرى بتسلُّح أفرادها ما يحدث توازناً في البنى الاجتماعية؛ كانت المدن حاضنة الجميع بحيث لا يجب وفق الثقافة القبلية دخولها بالسلاح؛ إلا أن هذه القيمة تلاشت خلال العقود الأخيرة، ووصلت ذروتها حالياً، فترى السلاح في قلب العاصمة اليمنية يزهو به حامله ويسبّب إرباكاً لمخالفيه وعنفاً متسع النطاق كل يوم.
وإذ ترتفع الأصوات المطالبة بضبط انفلات السلاح بين حين وآخر، إلا أنها بلا ثقل يكفي لإحداث تغييرات منشودة في الثقافة المتوطدة، فعلى الرغم مما يخلّفه السلاح من تهديد للأمن الإنساني في المجتمع، إلا أن هناك تجانساً مع هذه الثقافة السلبية ينبع من اللا وعي إذا جاز التعبير.
والشاهد هو أن حوار الذات المسلّحة مع الآخر، لا يمكن أن يكون طافحاً بقبولها بالآخر كما ينبغي؛ على أن اليمنيين لن يستطيعوا تجاوز أزماتهم التاريخية راضخين إلى أفكار ما قبل الدولة، مالم يحدّدوا موقفاً جذرياً من استلاب السلاح لأمنيات التطوّر التي تتغلغل في المجتمع على استحياء وقهر.
ويقول المفكّر الراحل محمد أنعم غالب في كتابه «اليمن الأرض والشعب» إن القبائل اليمنية تنظر إلى الحرب باعتبارها وسيلة إنتاج، والحاصل هو أن القبائل المنتشرة في مناطق الوسط والجنوب تحوّلت في مرحلة تاريخية إلى قبائل زراعية، كما تخفّفت من نزعة القتال وتركت السلاح ومارست التجارة ومختلف المهن بعد خضوعها لسلطة الدولة المركزية؛ وبذلك أخذت تمظهرات القبيلة فيها بالتراجع؛ على عكس قبائل الشمال الغربي والشرقي التي بتماسك عصبوي أقوى لكنها بلا إمكانات مادية، ولذا اتخذت القتال حرفة متأثرة بنمطها البيئي العسر.
كذلك بفعل الطابع الحربي للقبيلة لم تستطع الدولة احتكار الاستخدام الشرعي للقوة «وتسود المجتمع الديمقراطي ثقافة الثقة أو علاقات التعايش التكافلي، أما المجتمع العصبوي فيسوده الشقاق وعدم الثقة وتربُّص كل جماعة بالجماعات الأخرى» .
هكذا تدأب ثقافة التسلُّح على نشر الخراب والدمار، ويتصدّر السلاح باعتباره صانع أفكار اليمنيين حالياً وصائغ وجدانهم.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.