تقول أمثالنا السائرة: “عدوٌ عاقل خيرٌ من صديق مجنون” فلنقف قليلاً مع العقل، ربما يساعدنا في التمييز بين من هو العاقل الكامل ومن هو أقل منه في مراتب الكمال الإنساني. سئل أحد الحكماء: ما خير ما أعطي الرجل..؟ قال: غريزة عقل، قيل: فإن لم يكن..؟ قال: أدب حس، قيل: فإن لم يكن..؟ قال: أخ صالح يستشيره، قيل: فإن لم يكن..؟ قال: صمت طويل، قيل: فإن لم يكن..؟ قال: موت عاجل. وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «قد أفلح من جعل الله له عقلاً...!». ويحكي الأصمعي رحمه الله أنه سأل غلاماً حديث السن قائلاً: أيسرّك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنت أحمق..؟! قال: لا والله.. قال: فقلت ولم..؟! قال: أخاف أن يجني عليّ حمقي جناية تذهب بمالي ويبقى عليّ حمقي. وقال الشاعر: تأمل بعينيك هذا الأنام وكن بعض من صابه نبله فحيلة كل فتى فضله وقيمة كل أمرئٍ عقله وحكي أن أحمقين اصطحبا في طريق؛ فقال أحدهما للآخر: تعال نتمنّى على الله، فإن الطريق تقطع بالحديث، فقال أحدهما: أنا أتمنّى قطائع غنم أنتفع بلبنها ولحمها وصوفها، وقال الآخر: أنا أتمنّى قطائع ذئاب أرسلها إلى غنمك حتى لا تترك منها شيئاً، فتصايحا وتخاصما واشتدت الخصومة بينهما حتى تماسكا وتعاركا طويلاً ومن حسن حظهما أنه لم يكن في حوزتهما سلاح، لا مسدسات ولا بنادق ولا دبابات وإلا لكانا استخدما كل وسائل الدمار والفناء لتصفية خلافات تافهة ما كانت تحتاج لحلها سوى لعقلٍ خال من لوثة الغباء أو الحمق. فالعدو العاقل قد لا يكون عدّواً حقيقة؛ لأن عقل الإنسان السوي لا يسمح له أن يعادي أحداً من الناس؛ وإنما الذين يستخدمون العداوة ويستخدمون الأزمات في حل الأزمات والخلافات هم أولئك الذين يفتقرون إلى قوة عقلية متوازنة وإلى كفاءات مهنية عالية الجودة، أما الصديق الأحمق فإنه يضر صاحبه من حيث إنه يريد أن يفيده، والصديق الجاهل أو الأقل خبرة يؤذي صاحبه أكثر مما يؤذي خصوم صاحبه، وكل ذلك بحسن نيّة؛ فماذا يفيد حسن نيّة رجلاً جاهلاً أو أحمق أو قليل الخبرة في شؤون الحياة..؟!. فماذا يفيد هذا الحزب أو القبيلة أو أي مركز من مراكز القوى المتنافسة على السلطة أن يكون الوزير أو المدير أو المسؤول الفلاني تابعاً أو موالياً له؛ إذا كان لا يتمتع بحيازته على الخبرة العلمية والعملية، وماذا يفيد هذا الحزب أو ذاك اختياره لإنسان مشبوه في سلوكه ومعروف بعدم إخلاصه إلا لنفسه، وهل يكون إخلاص أمثال هؤلاء وولاؤهم لأحزابهم إلا جزءاً يسيراً من إخلاصهم وولائهم لأنفسهم، وإنما تعصبهم لأحزابهم ليس أكثر من ذر الرماد في عيون الآخرين ليخفوا أطماعهم وأغراضهم الحقيقية..؟!. أليس من العقل والمنطق والحكمة أن يجد الطماعون والوصوليون والفاسدون أنفسهم خارج اللعبة، لأنهم يمتلكون في أنفسهم عوامل الشر والفساد وليس تظاهرهم في التعصُّب لأحزابهم إلا وسيلة من وسائل الحرص على مصالحهم الأنانية، أليس من العقل والدين والوطنية أن يتم اختيار المسؤول النظيف والكفء كي يستفيد الوطن بأسره من علمه وخبرته وصلاحه ونزاهته بقطع النظر عن انتماءاته إذا كانت له انتماءات لا تؤثّر في نزاهته وإخلاصه لوطنه وحرصه على أمانة المسؤولية..؟!. بالله عليكم؛ أليست مأساة وطنية أن يحرص هذا الحزب أو ذاك الفصيل على اختيار مسؤول ليس له قدرات إدارية أو علمية أو كفاءة شخصية من أي نوع سوى قدرة متواضعة جداً على إدارة مزرعة للدواجن أو حظيرة لتربية العجول، ولماذا لا يرتفع قادة الأحزاب إلى مستوى الرجال الذين يبنون أوطانهم من خلال حسن اختيارهم للرجل المناسب في المكان المناسب..؟!. ولماذا لا يخطر على بال هذا الحزب أو ذاك أن اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب هو أمانة وطنية وتوجُّه ديني وعُرف إنساني؛ باعتبار أن مثل هذه الكفاءات في كل بلد هي كفاءات نادرة، فلنحرص على الاستفادة منها؛ لأن نفعها يعود على البلاد بكاملها بما في ذلك مصالح الأحزاب والهيئات وكل الفئات، فالجميع سينعم بالسلام والرفاهية والأمن والرخاء؛ بينما اختيار الرجل غير المناسب أو المرأة غير المناسبة سيعود ضرره وشرّه على البلاد كلها بما في ذلك مصالح الجهات والأحزاب والهيئات التي جاءت به تعصّباً أو مكراً أو نكاية..؟!.