في يوم كهذا ما الذي يمكن أن نتمناه.. غير أن يكون بيننا، أو على الأقل ذكره وسيرته، التي لو تأملنا فيها لعرفنا الطريق الذي نجهله، الطريق الذي يفترض علينا أن نسير فيه، لنخرج مما نحن فيه، من ضياع وفشل وشتات ووجع وألم . فيومها خرج من المدينة هارباً بدينه وعقيدته ومبادئه وما يؤمن به، فر تاركاً أهله وأرضه وماله وحياته وذكرياته، وحتى أمنياته وما تبقى ممن أحبهم، هرب مجروحاً وحيداً حزيناً، معه رفيقه الصديق، وفي كل ذلك الطريق وجد ما وجد ، وعانى ما عانى، وممن ؟ من أهله، من أقرب الناس إليه، الذين حرموه من كل حقوقه، ومع ذلك صبر وضحى وناضل، ليوصل عقيدته للناس، التي كان يؤمن أنها ستخرجهم من الظلمات إلى النور. كل هذا الوجع والعذاب والمعاناة، ليقول لهم عندما انقلبت الموازين، وأتى إليهم فاتحاً بعد غربة وقهر ومعاناة، وموت أهله وفقده من يحب: اذهبوا فأنتم الطلقاء. وكأن شيئاً لم يكن، ونحن اليوم يتقاتلون على مجرد كلمة عابرة، أو حركة غير مقصودة، أو حتى على واحد سبق واحداً في الطريق، فماذا لو كان رسولنا بيننا، ألا نستحي من أنفسنا، عندما نتأمل في موقف واحد من مواقفه ونتعلم منه، على الأقل في صفحه وتسامحه وحبه وصبره وتضحياته، وكل ذلك لأجل من ؟ لأجلنا نحن، حتى يأتي يوم، ونفعل كما فعل لأنه قدوتنا، لا عكس ذلك. ففي بداية هذا العام، العام الهجري هذا دون غيره، لابد أن ننتبه إلى أننا لا رصيد لنا في معرفة رسولنا صلى الله عليه وسلم، لأنه لو اتخذنا من درس الهجرة فقط ثم فتح مكة العظة والعبرة، لما وصلنا للحال الذي نحن عليه. كل واحد يتخذ نفسه وحزبه إلهاً، فيكفر كل واحد من غير حزبه، هذا إن لم يقتله ويسلب حقه ويسرق جيبه، وكأن قتل النفس بات شيئاً عادياً جداً، لا كأنهن من الكبائر التي لا تغفر ويهتز لها عرش الرحمن، متناسين أو جاهلين، كيف كان رسولنا الكريم يعامل من يختلف معهم في الدين، من الكفار المشركين يهوداً ونصارى، وفي زيارته لليهودي الذي مرض ولم يرم القمامة على باب بيته، فافتقده وزاره، وهو من يرمي القمامة كل يوم أمام بيته، ونحن نلقي رؤوس بعضنا، ونبتسم ونفتخر، وكأننا لا نمت لهذا النبي وهذا الدين بأي صلة، والجريمة أننا نفعل كل هذا باسم الدين وباسم الله، ونصرة دينه والحفاظ عليه. يجب أن نعترف في مثل هذه الأيام التي نبتدئ بها عاماً هجرياً جديداً بأننا جهلاء وجاحدون ولا نفقه من الدين شيئاً، وأننا ضيعنا ديننا وسيخجل منا رسولنا يوم يتقدم لشفاعتنا، وسنكون ممن سيقال له عنا : لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. وهو يترجى الله (أمتي... أمتي) سنجعله بكل شيء، وربما سنبكيه عندما تعرض أعمالنا، من قتل وسرقة ونهب، وكل ذلك باسمه وباسم ربه جل وعلا، فهلا خجلنا من أنفسنا قليلاً، وهلا تأملنا في سيرته، ولو ليوم واحد وتمنينا ليته كان بيننا ليصلح حالنا.