اغتيال الأستاذ الدكتور محمد عبد الملك المتوكل هو اغتيال لصوت ارتفع عالياً عبر عقود للدولة المدنية، والمجتمع المدني، وإعلاء كلمة القانون واحترام الحقوق والحريات، هو اغتيال لصوت الدعوة إلى نبذ العنف، وتسييد العقل ولغة الحوار، وإشاعة السلام والسلم الاجتماعي. نعم إن الاغتيال يحمل لنا تلك المعاني كلها وغيرها ذات الصلة بالمجتمع المدني، الذي يعني أن يعيش المرء في وطنه مواطناً كامل الحقوق والواجبات في مواطنة متساوية، لا تمييز فيها ولا تميّز لأحد مهما كانت مكانته ومركزه الاجتماعي والإداري والمالي، فاليمنيون جميعاً متساوون بالحقوق والواجبات وهي الدعوة التي ظل يدعو لها شهيدها، شهيد الحوار، والمجتمع المدني، حتى ارتقى إلى بارئه. عرفت الشهيد في منتصف الثمانينيات، وإلى أن فارق الحياة بفعل الغدر، وهو ذلك الصوت الذي لم يصمت ولم يتردد لحظة واحدة عن الصدع بالقول لنصره العقل ولغة الحوار ومسار بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة المؤسسات. لقد عرفته رافضاً للغة السلاح، ومعلياً للغة السلام والتعايش، وكان يرى في حمل السلاح، عنواناً للتخلف، وتمسّكاً باللا دولة، وإمعاناً في السير في دروب الفساد والفوضى. عايشت أستاذنا في تسعينيات القرن الماضي في معتركات العمل السياسي، الحواري، ورأيته صوتاً قوياً ناصحاً ومبيناً لمخاطر الاستقواء بالفوضى والسلاح، ومؤكداً أن لا مخرج إلا الدولة المدنية، وأن اليمن لا يمكن له بناء هذه الدولة بقوة السلاح واستعمالها في إخضاع الخصوم، قدر ما ستبنى بالحوار ونبذ السلاح، والاحتكام إلى المصالح العليا للوطن، وعلى رأسها مصالح الأجيال القادمة. نظر دائماً إلى الاحتراب أنه أسلوب يدل على فشل وتمترس، وأنه لغة الإقصاء والنبذ للآخر باستباحة دمه وقهره وقتله ووأد رأيه وفكره، وهو مالا تقره كل الشرائع والأديان السماوية والوضعية، وكان كثير الاستدلال بالقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.. في أحاديثه ومحاضراته التي حضرت بعضاً منها. ألا يعلم الذين يزهون بامتلاك البندقية والمدفع أنهم يدمّرون معاني الحياة الجميلة التي تطلع إليها أبناء اليمن، وأنهم يحوّلون أحلامهم إلى سراب، ويجعلون الدم عنواناً للحاضر والمستقبل. لا أقول في ختم كلمتي، عزاءً ولكن أقول: هنيئاً للدكتور حسن الخاتمة، والموت على الفكرة والمبادئ التي عاش لأجلها، وقدّم حياته قرباناً صادقاً لتأكيدها، ونسأل الله أن يتقبله عنده في عليين وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، والسير على دربه هم وكل من عرفه وتتلمذ على يديه، وآمن بالفكر المدني، والمجتمع المدني والدولة المدنية. المجد لكلمة العقل والسلام والمحبة، والخزي والعار للغة السلاح والاغتيالات مهما كانت مبرّراتها، لأن قيمة الإنسان أعلى من كل القيم عند الله سبحانه وتعالى، وفي المنهج الإسلامي، والشرائع الإنسانية. والله من وراء القصد.