تحمّل اليمنيون ما لا طاقة لهم به وواجهوا كل الملمّات التي طرأت على حاضرهم بما خزنوه من رصيد صبرهم على مدى فترات سابقة. وعلى الرغم من ذلك إلا أن القلق بات وحده يتحكّم في المشهد الغامض والذي لا يدركه غير المقرّبين من مراكز القرار والتحكّم؛ قلق يساور الجميع دون استثناء، قادتهم إليه الكثير من المتغيرات المتسارعة والتي لم يُحسب لها حساب، ومع أن ذلك القلق ملازم لهم بصورة دائمة إلا أنه لم يقف عائقاً أمام تفاؤلهم وتطلّعهم إلى ما بعد المرحلة الراهنة. مؤخراً اتفقت القوى السياسية على أن تنأى بنفسها عن التحكّم في المشهد من خلال توقيعها تفويض يتيح لرئيس الحكومة المكلّف تشكيل حكومة كفاءات تتحمل تبعات المرحلة الراهنة وتضع حلولاً أولية يلمسها المواطنون من باب الاضطلاع بالمسؤولية والقيام بالدور المناط بها في ظل حساسية مرحلية مفرطة. حساسية وليدة ومفتعلة إن جاز التعبير للحصول على استثناءات معينة دون الرجوع إلى الشعب وهو ما يبقى مثيراً فعلياً للقلق، حيث لا تزال اليد على الزناد كمبدأ لحل نهائي وهو أيضاً ما يعكّر صفو المرحلة ويبعث بمزيد من الحساسية التي تزيد الهوة المجتمعية وتثير الكثير من المشاكل التي ستحتاج إلى فترة كبيرة للتعاطي معها ومعالجتها وفي ذات الوقت سيكون همّاً كبيراً يُثقل كاهل الحكومة التي تُشكّل. إن الحكومة المنتظرة ستمثّل سابقة تاريخية لليمن واليمنيين وهو ما يعظم من أهميتها تأكيداً لمبدأ أساسي عنوانه “اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب” لينطلق من تخصّصه وكفاءته في خدمة هذا الوطن المثخن بالجراح نتيجة استدعاء الماضي بصورة دائمة. إن الكفاءة الفعلية التي نريد منها تصدّر المشهد الراهن لتخليصنا من التبعات المرهقة يجب أن تتحلّى بالإرادة الكافية للتعامل مع أولويات المرحلة وحلّها بصورة تدريجية متتابعة ليظهر للناس مدى الجدية في العمل دون الارتهان لطيف سياسي معيّن، وأن تنطلق من منطلق الإيمان بهذا الوطن وحبّ أرضه وأن يكون البذل والعطاء عنواناً عريضاً للمصفوفة المطروحة آنياً. أدرك جيداً أننا نعيش فترة فارقة تحلّينا فيها بحكمة وروية متناهيتين، إلا من شذّ هو من سيكون في مواجهة الشعب - الذي يملك زمام الحساب والعقاب - من خلال الفرص القادمة والمواتية. على الحكومة القادمة أن تتخذ كافة التدابير المتاحة لحلحلة حالة القلق المستشرية وإخراج الناس منها صوب رحابة التفاؤل الذي يحتاج إلى قليل من التحفيز الواقعي المرئي رأي العين ليتحلّى الناس بالثقة الكافية ويمنحوا هذه الحكومة فرصتها للانطلاق بهذا الوطن إلى ما نريد. على القوى السياسية أن تظل داعماً رئيسياً للحكومة القادمة ورفدها بما تحتاجه من المشورات والمعونات التي تتيح لها القدر الكافي للعمل بأريحية دون الرضوخ لضغوط قد تعرقلها وهو ذاته المتطلّب ممن يحاولون إدراك ما لم يدركوه من خلال وسائل غير مشروعة ولا يأتي منها غير المزيد من ضياع الوقت والفرص. [email protected]