في دراسة له حول أسرار الدموع خلص العالم الأمريكي (وليام فري) إلى أن حبس الدموع يُعرّض الإنسان للإصابة بالتسمم بصورة بطيئة على المدى البعيد من عمره. هكذا إذن تتضح ضرورة البكاء لدى الإنسان للإفصاح بشكل سري وغير مباشر عما بداخله ليتخلص من بعض المواد السامة الناتجة عن حالات الانفعال المستمرة، وفي البكاء بحسب الدراسة تخلص ممنهج من حالات الاكتئاب والإرهاق النفسي إضافة إلى أنه يعد شكلا من أشكال الترويح عن النفس وتنفساً غير معلن للذات من آهاتها وملمّاتها. حبس الدموع وعدم طرق كل ما يؤدي إلى ذلك بالنسبة للآدميين هو إنهاك للجسم وتسمم للجسد يسرع من حالات التدهور ويزيد من حدة الإخلال بالتوازن لدى الإنسان. قس على ذلك وطناً بأكمله يعيش غالبيته حالة اكتئاب غير منتهية وإرهاق نفسي وشعوري وليد معاينات مستمرة للأحداث المتقلبة والأحوال غير الراسية سنجد أننا فعلاً مسممون بفعل ذلك؛ أدرك أننا نبكي ونبكي كثيرًا لسنا كالشعب الفرنسي الذي تصل نسبة بكاؤه إلى 8 % فقط، لكن فرنسا ليست كاليمن في واقع حالها اليوم فوطننا قد أعياه التسمم ليس لأن أبناءه يبكون بل لأن نخبه السياسية لا تجرب البكاء ولا أعني بالبكاء هنا مجرد ذرف الدموع بل أعني المصارحة والمكاشفة والتي تعد كنه البكاء وذروة مقصده. هناك إنهاك لا توجد له ردة فعل مناسبة للحد من قوة فاعليته التي تفتت جسد اليمن منذ عقود بدت مليئة بالقضايا والمشاكل الكفيلة بوضع بلادنا في خانة الإصابة بهذه الظاهرة نظراً لحالة التكتم والتعتيم الشديدة التي ترافق كل مراحلنا على تعددها. يجدر بي أن أشير إلى أن بلادنا تعيش الحالة بامتياز فالوضع الراهن أوصلنا إليه عدم إعلام الشعب ومواجهته بحقيقة ما يجري باطنًا، وكذلك المداراة المستمرة في الوقت الذي كنا بأمس الحاجة إلى المصارحة والكشف عن ما يدور واقعاً. إن بلادنا أصيبت على مدى مراحل سابقة بنكبات كان للسياسة فيها نصيب الأسد ومع ذلك حتى الآن لم نعرف أسباب تلك النكبات أو حتى شيئاً مما قد يحد من قتامة المشهد الراهن الذي يمثل نتاجًا لا شك فيه عن أن الأمس له تدخل مباشر في اليوم ولولاه لما وصلت بلادنا إلى حالة الازدراء المزرية بفعل أفعال حمقى لا صلة لها بنسيجنا الاجتماعي ومعتقدنا الديني. إن ما يجري على ارتباط وثيق مع عدم المكاشفة ونتيجة لا مبالغة فيها لتبعات ما قبل الثورة وبعدها وما قبل الوحدة وبعدها وسوء تصرف النخب السياسية مع الوقائع وعدم مصارحتها للناس بل حتى لمنتسبيها بما كان يجري ويحدث في الوطن. وصلنا بفضل ذلك أن أصبحت اليمن مشلولة الحركة لا استطاعة لها بأن تواجه الواقع بملماته نتيجة حالة التسمم المرحلية والمتعددة والتي نتجت أيضاً بسبب رزوحها تحت وطأة الأزمات التي تعددت دون حلول عاجلة أو آجلة وهو ما قادها إلى ما هي عليه الآن. على القوى السياسية أن يتحملوا مسؤولية إخراجها من مستنقع الهموم ويعيدوا لها ديناميكيتها المعهودة وأن يبادروا إلى مكاشفة الشعب بكل ما يجري حتى لا يتسمم ما بقي من جسد الوطن ولكي نستطيع معالجة ما قد تسمم منه. [email protected]