يجد شعب الجنوب العربي نفسه اليوم أمام لحظة سياسية وتاريخية فاصلة، تُدفع فيها قواه الحية، ممثلة بالمجلس الانتقالي الجنوبي، نحو خيار إعلان الدولة الجنوبية المستقلة، نتيجة تراكم طويل من فشل مشروع الوحدة اليمنية، واستمرار الانتهاكات السياسية والاقتصادية، وتوافر الشروط القانونية الدولية لحق تقرير المصير، إضافة إلى متغيرات إقليمية تعزز من الجدوى الاستراتيجية لهذا المسار. فالوحدة اليمنية التي أُعلنت عام 1990 بوصفها اتفاقًا اندماجيًا بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الجنوب والجمهورية العربية اليمنية، لم تصمد سوى أربع سنوات، قبل أن تنهار عمليًا مع حرب صيف 1994. تلك الحرب كرست واقع السيطرة اليمنية على الجنوب، وفتحت الباب أمام سياسات ممنهجة من الإقصاء والنهب، شملت موارد استراتيجية مثل ميناء عدن، وقطاع النفط في حضرموتوشبوة، إلى جانب إبعاد الكوادر الجنوبية من المؤسسات السيادية والعسكرية، وتحويل الوحدة إلى واقع قسري فاقد لأي شراكة حقيقية.
ومنذ ذلك التاريخ، شهد الجنوب سياسات مركزية قادمة من صنعاء أدت إلى تدمير البنى التحتية، وتسريح عشرات الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين، والاستيلاء على الأراضي العامة والخاصة، في ظل غياب أي مسار جاد للإنصاف أو المعالجة. ومع فشل اتفاقيات سياسية لاحقة، أبرزها اتفاق الرياض عام 2019، في تحقيق شراكة عادلة أو مكافحة الفساد داخل ما تُعرف بالشرعية، تعمق شعور الجنوبيين بأن الدولة اليمنية الجامعة قد انهارت فعليًا، وأن استمرار الارتباط بها يشكل تهديدًا وجوديًا لأمنهم واستقرارهم الاقتصادي.
قانونيًا، يستند الجنوب العربي اليوم إلى أرضية واضحة في حق تقرير المصير، إذ تتوافر فيه الشروط الأساسية لاتفاقية مونتيفيديو لعام 1933، المعترف بها دوليًا، من حيث وجود شعب دائم يُقدّر بنحو ثمانية ملايين نسمة، وأرض محددة تشمل محافظاتعدن ولحج وأبين وشبوةوحضرموت والمهرة وسقطرى، إضافة إلى إدارة سياسية وعسكرية فاعلة يمارسها المجلس الانتقالي الجنوبي، وقدرة متنامية على الانخراط في علاقات إقليمية ودولية. كما يدعم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، في مادته الأولى، حق الشعوب في تقرير مصيرها، خصوصًا في حالات الدول السابقة التي فقدت سيادتها، كما هو حال الجنوب بين عامي 1967 و1990.
إقليميًا، يحظى المجلس الانتقالي بدعم عسكري وسياسي ملموس، من خلال تشكيلات أمنية فاعلة أسهمت في تثبيت الأمن ومكافحة الإرهاب، وتأمين مناطق استراتيجية، مع توسع النفوذ في حضرموت والمهرة، بما يعزز أمن خطوط الملاحة الدولية وباب المندب في مواجهة التهديدات الحوثية المدعومة إيرانيًا. وترافق ذلك مع مؤشرات على اهتمام دولي متزايد بإعادة ترتيب المشهد في الجنوب، في إطار مقاربات أمنية وجيوسياسية أوسع.
وفي ضوء هذه المعطيات، يرى مراقبون أن إعلان الدولة الجنوبية لم يعد مجرد مطلب شعبي أو شعار سياسي، بل تحول إلى خيار استراتيجي تفرضه الوقائع على الأرض، ويستند إلى أسس تاريخية وقانونية وسياسية، قد تعيد رسم الخريطة الإقليمية، وتفتح الباب أمام مسار جديد للاستقرار في جنوب الجزيرة العربية.