بعد تشكيل حكومة التحالف السياسي السلطوي أواخر سنة 2011م، توقف دولاب الفترة الانتقالية الثانية وتوقّف الحوار الوفاقي الجوهري وتحرّك دولاب تكتيكات واستراتيجية «الإزاحة» المقام بين التحالف السياسي السلطوي لمصلحة الاستحواذ على السلطة الرسمية ومن ثم التفرُّع لنهب المزيد من المال العام الذي يتدهور كلما توسّعت رقعة المشاكلة بين السُلط الخمس: «ثانياً» ونصّت الآلية على صلاحيات إضافية ومنها: (أ) إنشاء لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار. (ب) إنشاء مؤتمر الحوار الوطني. وأنيط بلجنة الشؤون العسكرية؛ إنهاء الانقسام في القوات المسلّحة ومعالجة أسبابه، ونصّت الفقرة (17) ما يلي: “ تقوم لجنة الشؤون العسكرية وتحقيق الأمن والاستقرار خلال مرحلتي الانتقال بتهيئة الظروف واتخاذ الخطوات اللازمة لتحقيق تكامل القوات المسلّحة تحت هيكل قيادة مهنية ووطنية موحّدة في إطار سيادة القانون”. وعندما تتفشّى الفوضى في المرافق المنضبطة نسبياً وظاهرياً؛ فيكون من الصعب بمكان تنفيذ استراتيجيات إيجابية ومفيدة لمصلحة دافعي الضرائب، وهذه اللجنة هي ضرب من ضروب الإضافات غير الضرورية واقعياً وتعبير عن حالة مرضية في قواعد الضبط والربط العسكريين وغياب جزئي أو كلّي لعقيدة عسكرية يتسلّم بها العسكري أثناء انتسابه إلى القوات المسلّحة، وهي المشترك بين المنتسبين من القاعدة إلى قمّة الهرم العسكري. فهل كانت القوات المسلّحة والأمن والاستخبارات منقسمة على نفسها مما أثّر أو يؤثّر على أدائها ومهامها الدفاعية والهجومية، وبين أية أطراف قسمت، وكيف نفهم ما جرى في 21 مارس 2011م..؟!. من نافل القول الاعتراف أن حرب 1994م قد دمّرت جيشاً مقاتلاً له عقيدة عسكرية لا مخاتلة في أدائها من قبل المنتسبين إليه، وكان هذا الجيش هو جيش بُني لبنة فوق لبنة حتى حصد بسمعة جيدة بوصفه مؤسسة منضبطة في دولة، وكانت عملية تدميره مطلباً دولياً، وبإزاحة هذه القوات بالحرب والغلبة ظهر الجيش الهش..!!. وتأسيساً على الإزاحة بواسطة الحرب؛ انفردت القوات المسلّحة التابعة للطُغمة العسقبلية سابقاً بالساحة وبدأت ممارسة بطش السُلطة لمصلحة قوى التحالف الحزبي لسنة 1994م، وهذه القوات لم تخض أية معارك ضد خصوم خارجيين منذ 1970م باستثناء حربي 1972م و1979م ضد حكومة الجنوب، ولم تحرز أي انتصارات ميدانية، بل خسرت المعارك، والقوات المسلّحة لما قبل 22 مايو 1990م هي قوات غير متكاملة التركيب وخضعت لمبادئ ومعايير الجهوية والقبائلية والطائفية وضفّيت من أولئك الذين تربّوا في حضن مدرسة الحرس الوطني ولم تخض المنازلات المطلوبة. وخضعت هذه القوة إلى سلوك الرخوة ونخر جسدها الفساد الذي يمكن اكتشافه بسهولة عند القيام بنزهة إلى القصور الفارهة والسيارات المملوكة للقادة العسكريين سابقاً، وكان يمكن رؤيتها من “بلطجة” الأبناء في الشوارع والبورصات والحياة المبتذلة. قوات ما قبل 22 مايو 1990م ومن ثم قوات ما بعد 1994م حتى 2011م لم تكن ممأسسة، وكانت عبارة عن “ضّيع” تحت تصرّف كل فرد من أفراد الطغمة، وهي مناطق خطر الاقتراب منها؛ لأن روائحها الفسادية كانت ترغم غير الفاسدين على الفرار من نتانتها. كانت الضّيع تُدر وجاهة ومالاً وتولّد عن ذلك تراكم “نقدي” طفيلي ومصدره صفقات تجارية وسياسية وجبايات إجبارية وشكّلت بمجملها عامل وتبعة فكرة إعادة تقاسم الضّيع وتركيب صاعق التفجر.