«3» وكلما تسلطت وفرضت الطاغوت الفردي السلطة المطلقة كما غادرت السلطة وظيفتها الاجتماعية الإضافية إلى وظيفة طبقات أخرى متخصصة. كلما عجلت التراكمات في التناقض داخل الطغمة المتسلطة وعجلت بالتأزم والتفجر معبرة عن ذلك بالتصفيات الجسدية والانقلابات العسكرية الدامية وتتابع المؤامرات، ووقعت الطغمة العسقبلية في صنعاء في شباك التأزم والتفجر بعد حرب 1994م وبعد الانخراط العارم في الفساد ونهب الإيرادات العامة ونهب الأموال الخاصة والوكالات التجارية والانخراط في التجارة الطفيلية المعتمدة على مراكز القوى والنفوذ في عمق الطغمة. وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي التطاول على التجارة والرأسمالية التجارية والمضاربة بالأراضي والعقارات والأموال النقدية في السوق السوداء «الحرة» وشكل منسوب الجشع والتنافس بين أطراف الجيل الجديد من منتسبي الطغمة المتسلطة مصدر الخلافات الرئيسية بين أطراف الجيل القديم الذي نفذ انقلاب 17 يوليو 1978م على وقع معاهدة غير مكتوبة بتقاسم مقاعد الأجهزة العسكرية والأمنية والإشراف على القطاع المدني الوظيفي والتجاري على ألا يتم خرق هذه المعاهدة حفاظاً على الاستحواذ القروي على السلطة والإثراء من خلالها، ونصت المعاهدة على عدم الزج بالأبناء في إدارة القوات المسلحة والأمن، لأن ذلك سوف يؤدي إلى التنافس الخطير في مجال مصادر الثراء، النفوذ وإيرادات الخزانة والجباية الإجبارية من الرأسمالية التجارية، والهدنة بين الأطراف كانت تخفي أهدافاً شريرة تخللتها المؤامرات الصغيرة بين مدرستين، مدرسة علي عبدالله صالح الذي لم ينضم إلى القوات الملكية المناهضة للجمهورية واكتفى بالتواصل السري المخابراتي مع قادة كتيبة سنحان التي عملت تحت قيادة محمد بن الحسن لاسيما وأنه كان يخدم في منزل عبدالسلام صبرة ومدرسة محمد إسماعيل الذي كان مشاركاً فعلياً في كتيبة سنحان المقاتلة في صفوف القوات الملكية. وهذا الاختلاف المدرسي الذي كون طغمة عميقة بعد مارس 1970م قرر الانقضاض على السلطة وتنصيب علي عبدالله صالح رئيساً لها حتى لا تنتفض الجماهير والقوات المسلحة والأمن ضد الانقلابيين إذا نصب أحد القادة المعروفين بانتمائهم إلى النظام الملكي، وكانت المعاهدة ضماناً لإتلاف المدرستين، غير أن قيمة الجشع وقيمة الاستحواذ والشعور بالزهو جراء تركز الولاءات والقوة قادت سريعاً إلى تفاقم الخلافات بين أطراف المدرستين وانزلقا إلى ساحة المؤامرة خاصة حينما اختط علي عبدالله صالح طريق «التوريث» سنة 1997م وزج بأبنه بين أبناء الأطراف إلى مجلس ما يسمى بالنواب مقروناً بتمويله برأسمال تجاري لممارسة التجارة إلى جانب العمل السياسي والعسكري كلازمة ضرورية لدخول نادي النخبة وحصد الولاءات.. وكانت حادثة التصفية الجسدية لابن قائد الحرس الجمهوري وهو أخ غير شقيق لعلي عبدالله صالح يوم عيد الفطر سنة 1996م وهو يوم فرح، قد حددت مسار التحالف العسقبلي للطغمة، إذ ارتكبت جريمة قتل في يوم ابتهاجي كانت عبارة عن رسالة دموية قوية لأفراد الطغمة الذين يطمحون للتآمر عليه وإسقاطه، واكتفى أب القتيل بالانخراط الزائد في معاقرة المشروبات الكحولية والتي قادته إلى الخروج من قيادة الحرس الجمهوري والخروج من البلاد والاكتفاء بالعيش في أوروبا لمواصلة معاقرة المشروبات الكحولية والشكوى لمن يصادفه لما جرى له.. وشكلت هذه المأساة خارطة طريق داخل ملعب الطغمة ومولاتهم القروية.