التدبير من المصطلحات السياسية والاجتماعية الذي استخدمه إنسان اليمن بشكل يومي بإدراك واع لمعانيه ومدلولاته، الأمر الذي يدل على الحكمة والفقه اليماني الذي عرف به اليمنيون منذ آلاف السنين؛ فإنسان اليمن قادر على التنبؤ وقادر على وضع استراتيجيات لمواجهة احتمالات المستقبل، بعيداً عن الشطط الذي لا يقدم المفيد النافع، الأمر الذي يؤكد أن الإنسان اليمني شديد الصبر في كل الظروف. إن مفهوم التدبير لا يقتصر على إدراك متطلبات الحاضر فحسب ولكنه يتجاوز ذلك إلى الاستعداد لما قد يطرأ في المستقبل، وهذا الفكر على مستوى الفرد في اليمن تجده يستحضر الكثير من التجارب السابقة والأحداث التي مر بها من سبقه في الحياة، وتجد الأمثال حاضرة لدى إنسان اليمن في كل صغيرة وكبيرة؛ ففي الجانب الاقتصادي على سبيل المثال «خبي من شبعك لجوعك» وفي التفريط في استخدام القوة «من قهر لابد يقهر».. وهي جميعها مصطلحات سياسية تعلمها إنسان اليمن من تجارب الحياة وأصبحت الحياة لديه مدرسة، بل أستطيع القول: إن وعي المواطن العادي بهذه المصطلحات قد تجاوز النخب السياسية؛ لأن القوى السياسية لم تعد تستقي فكرها السياسي من واقع اليمن وتاريخه وإرثه الحضاري، وأصبحت للأسف أغلب القوى السياسية تعتمد على المحاكاة والتقليد وتعشق الخارج وأفكاره وتبحث عن القوالب الجاهزة، الأمر الذي أوصل الشعب إلى هذه الحال في الحياة السياسية والاقتصادية التي أصبحت على شفا جرف هار. إن الرغبة في إرضاء الغير لدى بعض القوى السياسية قد سبق رضا الله والشعب، وقد سيطر عليها ونست تلك القوى أن للشعب تاريخاً وحضارة، وأن من يتجاوز تاريخه وحضارته لن يحقق أدنى درجات القبول داخل شعبه، ولن يحظى بأدنى درجات الاحترام لدى الغير الذي يحاول إرضاءه ويستمد قوته منه، الأمر الذي ينبغي معه الوقوف أمام تلك التصرفات بحكمة وتأمل وتبصر وتدبر من أجل العودة إلى جادة الصواب؛ لأن الفوضى قد دمرت الحياة، ولابد من الاعتزاز بتاريخنا وتراثنا، وأن تدرك القوى السياسية أن اليمن كانت ومازالت وستظل مصدر الفكر الإنساني المستنير الذي أضاء دروب الكرامة. إن التدبير الذي ينبغي على القوى السياسية إدراكه والوقوف عنده يعزز القدرات الإبداعية ويجنب الوطن النكبات المتلاحقة ويقود إلى المستقبل المشرق الذي يتطلع إليه اليمنيون كافة، وقد قلنا مراراً وتكراراً لا نجاح ولا فلاح إلا لمن ينطلق من اليمن وكل ثوابته وقيمه الحضارية والإنسانية ويعتز بهويته ولا يستمد قوته إلا من الله وحده ثم الشعب اليمني صانع المنجزات والقادر على تقديم الأفضل بإذن الله..