تنام تعز، ثم تصحو على حدث مفزع: حادثة اغتيال بشعة لقيادي حزبي كبير في تكتُّل اللقاء المشترك. طيلة الأشهر الماضية ظلّت تعز في منأى عن جائحة الموت والاغتيالات، بينما كانت المحافظات تعصب ضمادات جراحاتها وتردّد كلمة السلام كهذيان طفل مصاب بحمّى، كانت تعز تجثو على أمل حذر في النجاة، وكان القتلة يستكملون صناعة آخر العبوات الناسفة المعدّة لتعز كمدينة يختزل القتلة فيها كافة حيثيات جنوحهم لهذه الطريقة القذرة في تصفية ثأراتهم السياسية. اغتيل صادق منصور الحيدري، ودلفت تعز مع الحادثة إلى مغارة الخوف، بُعيد عملية اغتيال الحيدري قال لي قيادي في تكتُّل المشترك: يمكن لنا أن نحصي من الآن خساراتنا على الصعيد القيادي، فليست هذه سوى بروفة لحالة مظلمة تتشكّل وتأخذ من ظروف الفوضى فرصتها للتمدُّد وابتلاع آخر الآمال في تلافي جحيم الانزلاق إلى مستنقعات مخيفة طاعنة في البشاعة والتوحش. يُراد لمشهد الدم أن يلازم شمس المدينة التي تنام دون مخاوف وتصحو دون صراخ ودون عنف، المدينة التي تنام على تلال مرتخية وهزيع صامت تدلف إلى مغارة الخوف على جثة الشهيد صادق منصور المخلافي. عرفت صادق منصور قبل عامين، واكتشفت موقعه القيادي بعد سنة من ذلك، بساطته تقول إن موقعه الحزبي لا يتعدّى رئيس فرع، ونشاطه وكاريزميته تكشف عن رجل لم يأخذ حقّه كاملاً من الإصلاح كأمين عام مساعد لفرع تعز، أما أنا فقد توثّقت علاقتي به وشهدت ربيعاً خاصاً وحميمياً إلى أن غادر الحياة. سأكتب الآن عن صادق في «فيس بوك» وأبكي، فهذا أول منشور لي لن يوقّع الأستاذ صادق منصور إعجابه تحته من حساب فيسبوكي، أنا فقط من يعرف لمن يكون، ويجهله الآخرون كل الآخرين. اغتالوا صديقي صادق، أسلموا جسده إلى قسوة العبوّة الناسفة، وغادروا في اتجاه كهوف ترزح أرضياتها تحت وطأة العشرات من هذه العبوّات المرقمة بأسماء شخصيات سياسية وعسكرية وحزبية سيأتي دورها تباعاً وفقاً لمزاج قاتل يلتبج بجنون نقمته في أقبيات الدم. آخر عبوّة كانت من نصيب صادق منصور أحد أنقى رجال تعز وأبرز قيادات حزب الإصلاح في المدينة، غادر صادق، ابتلعت روحه وحشية القتلة الذين ازدهر ربيعهم وصاروا يمتلكون حظوة اكتسبوها من فوضى البلد وتراخي الجهات المعنية. اغتالوا صادق وكان صبيحة الأمس قد ربّت بيده الرقيقة على كتفي وهو يقول: «ما بالك متبرّم هكذا..؟! تفاءل..!!» قال ذلك ثم صعد سيارته وغادر، اغتالوه ليغتالوا تفاؤلاً أوصاني به في آخر ساعات عمره، اغتالوه وسدّدوا طعنة إلى خاصرة السلام والمحبّة، ثم بدّدوا كل أمل في وطن أخطأ ذات لعنة وأنجب أناساً يمارسون الاغتيالات والقتل آخذين أرواحنا معهم في رحلة ذعر لا قرار لها ولا نهاية..!!.