الموت هو الحقيقة المرة والحاضر ابتداء، وهو رحيل دائم يصاحبنا ونحن غافلون عنه. نحن نشيع كل يوم قريباً ونوسد كل يوم حبيباً و لا نعلم أننا نمارس الاحتضار منذ مولدنا ...الأنفاس والضحكات والدموع والأفراح والأحزان كلها حركات احتضار، كلما مرت لحظة اقتربت بنا إلى الحقيقة المرة، وكما قيل يموت المرء كل يوم حتى إذا لم يبقَ فيه شيء يموت قالوا مات. نحن نخاف من الموت، وهذا جهل منا، من باب المرء عدو لما يجهله ،لكن الحقيقة أن الموت بوابة الخلود والعتبة الأولى لعودة الروح المغتربة إلى عش الخلود بعد ضنك الحياة وقساوة الطين ..سنّة الحياة أن نبكي من رحل وفي الحقيقة نحن نبكي أنفسنا وغربتنا التي تزداد وحشة بعد رحيل الأحباب عنا أو عودتهم إلى الخلود. قبل أمس الأربعاء ودعت تعز على موكب الراحلين شخصيتين كان لهما أثر على الحياة والأحياء في هذه المدينة وهما الأستاذ المربي يحيى قنبر الذي رحل على عجل وبدون مقدمات، وقنبر هو من أبرز معلمي تعز القلائل أيام ماكان التعليم تعليماً، كان معهد المعلمين الذي عمل مديراً له قلعة علمية شامخة والمعلم مهاباً،رحل قنبر بدون ضجيج كعادة الكبار في هذه المدينة التي لاتلتفت لكبارها إلا بعد الموت. بنفس الوقت رحل الفنان المبدع عارف البدوي في وقت يكاد الابداع أن يكون غريباً كرجاله .. عارف كان من شيوخ فن الكاريكاتير، وهو فن راقٍ وشفاف سهل ممتنع مؤثر وشديد التعبير، سهل الوصول إلى كل الشرائح في المجتمع، والفن هو الوسيلة التي تصل إلى الناس بدون تعقيدات وتثير فيهم المعاني والتساؤلات والحزن والفرح. كان البدوي قد كسب جمهوراً واسعاً، بريشته على صفحة الجمهورية، عالج الكثير من القضايا وأضحك الكثير من المهمومين، ونسيناه بمجرد غيابه عن صفحات الجمهورية، كمانسينا قنبر بمجرد غيابه عن منصة التعليم. هذه البلاد جحودة وعزاء المصلحين والعاملين أنهم لم يقدموا جهدهم وإسهاماتهم عندما يقدمونه انتظاراً لشكر مخلوق بل خدمة للمخلوقين وانتظاراً لرحمة الخالق. اللهم ارحم الأستاذين يحيى قنبر وعارف البدوي وألهم أسرتيهما ومحبيهما الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون. [email protected]