لم أكن لا تصور يوماً أن تتحول مدينة ذمار إلى مرتع للإرهاب والاغتيالات ومرمى مباشر للعبوات الناسفة التي روعت المواطنين وأشاعت جو من القلق والتوجس بين السكان بصورة لم يسبق لها نظير أبدا في هذه المدينة الوادعة التي ظلت لقرون تاريخية متلاحقة منارة للسلم والأمان، وميداناً لانسجام اجتماعي عجيب حتى في أحلك الظروف السياسية وفترات الحروب الأهلية المستعرة التي كانت تنشب هنا وهناك، وهي كذلك إلى الأمس القريب فماذا حصل حتى تبدأ قرون الشيطان بالتحرش ومحاولة العبث بالعفاف الأمني الذي ميّز ذمار عن سواها من المناطق والمدن الأخرى عبر مراحل زمنية ضاربة في القدم؟ على أقطاب العنف أن يقرأوا تاريخ المدينة جيداً ليستخلصوا الخصال الحميدة التي يتسم بها أصحاب ذمار ويعرفوا أن هؤلاء الناس لا يستحقون الموت بل يستحقون الحياة كيف لا وقد شهروا بأنهم انصار للحياة دعاة للتعايش والوئام، يفنون أعمارهم في إدخال السرور إلى قلوب الآخرين ورسم الابتسامة على وجوههم بالنكتة والطرفة الذمارية البديعة ذائعة الصيت، وفوق كل ذلك لا ننكر ولع وكرم أهل ذمار في خدمة العلم حيث كانوا عن طيب خاطر يقتطعون من موائد أولادهم جزءاً يخصصونه للغرباء الذين يأتون من أصقاع مختلفة في اليمن طلبا للعلم في المدرسة الشمسية التي كانت بمقاييس ذلك الوقت أشبه ما يكون بجامعة عامرة بعلوم الشريعة وفنون الأدب والفكر، ليس هذا فحسب فلا يلبث الغريب إلا قليلاً حتى يشعر وكأنه بين أهله وجيرانه لما يلقاه من رعاية كريمة وحفاوة فريدة من نوعها لدرجة أن كثيراً من هؤلاء المتعلمين قرر الإقامة الدائمة نتيجة هذه المعاملة الطيبة ليصبحوا جزءاً ولبنة أساسية من لبنات هذا المجتمع المعطاء الزاخر بمناقب وصفات إنسانية دافقة ومتجددة فمن كان خائفاً فعليه بذمار ومن كان جائعاً فعليه بذمار ومن كان عارياً فليس سوى ذمار ففيها أمان الخائف وشبع الجائع وكساء العاري. وباختصار شديد أقول: ذمار عبارة عن إرث أخلاقي وإنساني وتراث غني من الأمن والاستقرار والتعايش السلمي الذي تتوارثه الأجيال كابراً عن كابر وخلفاً بعد سلف حتى يومنا هذا لذلك ادعو قساوسة الموت إلى مراجعة حساباتهم والكف عن محاولة تحويل المدينة الوادعة إلى مكب لنفايات العنف والعنف المضاد وتجنيب أهلها حروب الصراعات الطائفية والسياسية الخاسرة التي لم تجن منها البلاد سوى الدمار والخراب، فهل من معتبر.. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر