كم هو موجع عندما تموت ألف مرة في اللحظة، وليس لأي سبب كان، إلا لأن المواطن اليمني قد يحاول العيش بكرامة و بشرف ونزاهة، وحينما يكون قد حكم على نفسه بالموت، وليس كأي موت.. فالفساد في بلادنا يختلط بالماء والهواء الذي نتنفسه، اختلط بكل شيء، حتى بعاداتنا وقيمنا التي تربينا عليها، والأعجب من كل ما سبق هو أن تختار المواطن (عدنان المداني) الذي احترق بأبشع طريقة، وفقد حواسه، وكل ذلك ليكافح الفساد في أكبر مكان يُمارس فيه وهو الكهرباء، فبدلاً من أن تقف معه، وتحاكم المجرمين، يغطون على هذا باختياره شخصية هذا العام لمكافحة الفساد، كأنهم بذلك يسقطون الواجب، ويقدمون ما عجز الناس من تحقيقه.. كأننا سنبقى شعباً غبياً حتى الموت، شاب موظف مكافح وطني، يُحرق بمادة لو أحرقت بيتاً لتحول رماداً، ولو صبت على جبل لتفتت، ويُحرق وجهه تحديداً، ليصبح مجرد صورة لشبح، لا يستطيع حتى أولاده والمقربون إليه الصبر على تحمل الألم، وهم ينظرون إليه، وقلوبهم تحترق كاحتراقه، وهم عاجزون حتى عن تخفيف ألمه، وليت هناك من يسمع لأصواتهم أو يقف معهم، فالجميع عاجزون أصلاً، عن فعل شيء لأنفسهم.. ربما وحدهم زملاؤه من الموظفين الكادحين مثله يقومون بأعمال لائقة مثل تلك الممارسات، لكن ما جدوى كل هذا، أين النيابة العامة، أين الحكومة، أين الإنسانية، أين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أين... أين... أين....؟!! هل يعقل أننا نعيش في مجتمعنا اليمني، هل يعقل أنه وصل الحد بالفساد والمفسدين فوق ما نهبوا من عرقنا وعمرنا من أموال و بيوت ووظائف وووو، ليفعلوا هذا بإخوتهم، فالقتل أهون بكثير من قتله ألف مرة، ربما لو قتلوه بالطريقة التي أعتدنا عليها، «بموتور» عليه ملثمون، لكان الأمر أهون بكثير من حرقه بهذه البشاعة، وعلى مرأى ومسمع من الناس، هل يعقل أن اليمني بات عدواً لليمني لهذا الحد، أم كان هدفهم بث الرعب وتكميم الأفواه، فوق ما يعيشه اليمني من احساس بالقهر والخيبة والضياع والوجع؟!! بات اليمني موظفاً كان أم إنساناً عادياً، إنساناً مفرغاً من الإحساس بالانتماء والأمان، بالرغبة في القضاء على الفساد، أو حتى الحلم بهذا مجرد حلم عابر، بأنه سيتغير شيء فيما حوله، لينصف حتى بلقمة عيشه، لقد بات اليمني محترقاً من الداخل، لكن أن يحترق فوق هذا وجهه وقلبه، فيكفي... يكفي وجعاً وعذاباً، فكلنا نحترق يا عدنان المداني، كلنا نحترق، لكن سيأتي يوم ويحترقوا كما أحرقونا، فلا تتألم فما عند ربك خير وأبقى.. رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر