إن الذين يدعون للتمسك بالحوار والاتفاق حول مصلحة البلاد جميعهم بلا استثناء غير مؤهلين للمرحلة القادمة، والمشكلة الآن ليست في الدستور ولا الانتخابات وموعدها.. مشكلتنا هي في أن كل الساسة على الساحة اليمنية يتنافسون على السلطة بأساليب ميكافيللية، والمواطن حاضر في اهتمام بعض الأطراف فقط لاستخدامه كورقة استحقاق للسيطرة، وسلماً للصعود والضغط على منافسيهم، ولكن هذا المواطن الغلبان غائب عن اهتمامهم تماماً كإنسان له الحق في الحياة بكرامة وبدون حرمان أو عوز.. وقد أدرك بعض المواطنين أهدافهم فأصبح لا يعنيه ما يقولون ويفعلون.. انعدمت ثقة الشعب بهم، نتيجة لاستمرار البؤس وفقدان أبسط مقومات الحياة، وفطن الكثير إلى أن تجار الحروب يحشدون ضحاياهم البؤساء لتوسيع نطاق المحرقة وتعميم الموت والدمار.. وأيقن الشعب أنه في الأول والأخير أداة الحرب وضحيتها.. والمحصلة ليست أقل من اهتراء الجسد الثقافي والاجتماعي اليمني وتمزق كيانه الوجداني، واندثار عوامل وحدته وتماسكه الاجتماعي، والقضاء على كل بادرة أمل في الحياة.. وهذا الاتجاه يمثل أشرس مظاهر الصراع وأبشع صور العبث بالوطن والأرض والإنسان والقيم.. ودليل على الغباء السياسي المركب والمناعة ضد الحياة.. والبُعد الكلي عن الإنسانية والعقم الفكري والأخلاقي لدى اللاعبين السياسيين. لقد كان محقاً (مصطفى حجازي)، في وصفه لبعض سمات مثل هؤلاء في كتابه النوعي التخلُّف الاجتماعي: سيكولوجية الإنسان المقهور، قائلاً: “الإنسان المسحوق الذي حمل السلاح من دون ثقافة سياسية توجّه وضعه الجديد.. قد يقلب الأدوار في تعامله مع الجمهور أو مع من هم في إمرته.. فيتصرّف بذهنية المتسلّط القديم: يبطش.. يتعالى.. يتعسّف.. يزدري.. وخصوصاً يستغل قوّته الجديدة للتسلُّط والاستغلال المادي والتحكُّم بالآخرين”. وهنا نتذكر عبارة بليغة ل(آلان تورين) تقول: “ليس ثمة ثورة لا تكون تحديثية.. تحررية.. وطنية”. ومن هذا المنطلق، لا يمكن اختزال مفهوم السياسة بفن المراوغة والخداع والغش والنفاق، كما أنه من غير المعقول ولا المقبول عقد التحالفات المشبوهة مع ذوي السجلات الملوثة بالفساد والإفساد وذوي الأيادي الملطخة بدماء الشرفاء، علماً أن تحالفات الانتقام تنتهي فور تمكين الهدف من وراءها، وبعد أن تكون فتحت الطريق أمام المزيد من دورات العنف والدمار.. ولا يبقى غير تحالف واحد، وهو الذي يكون هدفه مصلحه الشعب في التغيير والبناء والتقدم. كما أن السياسة علم وفن واحتراف قائم على قراءة دقيقة وصحيحة للواقع ثم اعتماد الحلول الكفيلة بتغيير الواقع كليا أو جزئيا بأفضل النتائج وأقل الخسائر وأقل جهد وأقصر وقت. والسياسة، من جانب آخر هي فن إدارة الصراع الاجتماعي بأسلوب لا عنفي. لقد كشف سفك الدماء عن الاستحواذ على الوجود واحتكار الحياة وبشاعة الأنانية ونوايا حجب الحقيقة وتفعيل غريزة القضاء على منابع الفضيلة والحب وتغذية الكراهية والتصادم بين الأفراد والمجموعات.. لذلك من البديهي أن يكون الإرهاب شيئا لامعقولا وامتدادا لسياسة حربية خاطئة وأن يتحول إلى عنف خالص ولا يقدر حتى على تحقيق أهداف سياسية ولكنه في الأصل يرتكز على رسم للمجال السياسي وفق ثنائية الصديق والعدو وينبع من خصومة وتوتر بين المتعاطفين مع النظام والساخطين منه والخارجين عليه. وهنا يشير (جين بودرير) إلى أن الأمر يتعلق بشيء أكثر من العنف وأشرس.. إنه عنف فيروسي يحدث عن طريق العدوى وفي شكل نتائج متوالدة ويعمل شيئا فشيئا على تدمير مناعتنا وقدرتنا على المقاومة. حيث يتصرف الإرهابي من موقع ما قبل ديمقراطي أو ما بعده ويأتي من منطقة ثقافية منطوية على نفسها وباردة، وربما خطورته تكمن بعدم إيمانه بالقيم الكونية بما في ذلك مصداقية فكرة الديمقراطية نفسها . ولذلك نراه يدشن مرحلة من العنف والعصبية والانفلات ويتحدث عن الهوة التي تفصل بين الأديان والانفصال بين العوالم ويسبب الإهلاك والتخريب لمواطن العمران ويقضي إمكانيات الحياة والوجود لدى البشر. ولذلك وفقاً ل(فرويد) فإنه تبعا للكراهية الأولية الموجودة لدى الناس تجاه بعضهم البعض، فإن المجتمع والثقافة مهددان باستمرار بالتفكك. والحل في تقديرنا يكمن في إتباع سياسة (اللاعنف) في حل القضايا الخلافية، فسياسة اللاعنف كما يقول (غاندي) هي أكبر قوة تمتلكها الإنسانية كما أن تأثيرها أكبر بكثير من أشد الأسلحة تدميرا... لا يحرر اللاعنف الإنسان من الخوف.. ولكنه يبحث عن سبب الخوف لاجتثاثه.. اللاعنف مبدأ كوني يجب أن ينتصر حتى في أحلك الظروف. ونختم بذكر بعض من أمثال من تجارب الشعوب.. النعاج تصنع الذئاب. الحرب لعبة الأقوياء ودمار البسطاء. الجهل ملاذ كل مستبد. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر