كم كنت أكره حل مثل هذه الأسئلة، مع أني كنت متوفقة فيها، لكني كنت أكرهها جداً، لإحساسي أنه أمر قاسٍ على أفكاري، يرغمني على اختيار أي شيء ليمتلئ الفراغ وحسب، وإن كنت غير راضية عنه أو مقتنعة به. لكن أن يكون هذا هو حال بلادي يوماً فلم يخطر هذا على بالي نهائياً، ولا حتى في خانة المستحيل حتى، أن نصل إلى مرحلة لا رئيس فيها ولا حكومة، ونعيش حالة فراغ نبحث عن أي شيء ليملأه والسلام، فالوضع لا يمكننا أن نتقبّله أو نتحمّل عواقبه؛ لأن هذا الفراغ ما كان يجب أن يكون يوماً، فحتى عندما أسقط النظام السابق، لم تعش البلاد لحظة فراغ، فأمام العالم سُلمت السلطة والبلد مع العلم إلى الرئيس المنتخب، وهذا ما يقتل؛ أن نعيش حالة فراغ وخاصة في أيامنا هذه، من يصدّق أن نصل إلى هذا الحال، نبيت ونصبح على فراغ..؟!، إحساس بالضياع والشتات، لا يد لنا فيه، أصبح الهم والفراغ هو الشيء الوحيد الذي يرافقنا حتى في منامنا، لماذا..؟! لأننا لم نكن نعيش أصلاً في ظل نظام ودولة، لكن على الأقل كنا نشعر أننا نقف على أرضية ثابتة، نضمن أن هناك رواتب وحقوقاً وحتى أملاً من أجله نصبر ونبحث ونبدع، أما اليوم فكل ما نفعله هو التفكير بماذا سنملأ هذا الفراغ وحسب، وبأي شيء سنملأه، كأن هذا الوطن خالٍ من العقول والأفكار والكفاءات والمبدعين والقادرين على بناء دول، لكن أين هؤلاء..؟!، دُفنوا في مقبرة الأحزاب، وأصبحت لهم أسماء أخرى، وتحوّلت عقولهم إلى مجرد حراسة لأفكار وأهداف تلك الأحزاب التي بغت وتجبّرت وضيّعت البلاد والعباد، في الوقت الذي ترفع فيه شعارات لو طبّقت لعشنا في المريخ، المريخ الأرضي، لكن للأسف يكذبون أكثر مما يتنفّسون..!!. وحتى لو كانت لدينا الإجابة التي نظنها صحيحة، فمن يصدّقنا ومن يطبقها..؟! مع أننا وحدنا من تحمّل نتيجة هذا الفراغ، لكن مع ذلك لابد لنا في تغيير شيء، يجب أن ننتظر بصمت، ونحترق ونحن نتأمّل هذا الفراغ، فلم يعد في قلوبنا متسع لألم جديد أو حتى لمجرد التفكير بخسارة شيء، لسبب واحد لأنه لم يعد لدينا ما نخسره أصلاً، خسرنا بما فيه الكفاية الكثير من حياتنا وأوقاتنا وأحلامنا، وحتى ثقتنا بأنفسنا وبإيماننا بقدراتنا وبغدنا وحاضرنا وماضينا، بات كل همّنا فقط هو كيف يمضي يومنا، وبماذا سيمتلئ ذلك الفراغ، لقد تعبنا وبات هذه الفراغ في سلطتنا ودولتنا هو ذاته الفراغ المقلق الموجع في حياتنا، في وطن فراغه الوحيد هو نحن. فيا ترى من سيملأ هذا الفراغ، أم سيكون فراغاً على فراغ، وعليه فنبقى في فراغنا ويكفي..؟!.