باستثناءات محدودة منها ما ذكره القرآن الكريم عن عمر نبي الله نوح عليه السلام الذي بلغ 950 عاماً، كانت أعمار أسلافنا البشر القدماء جدًا قصيرة، وكان الإنسان محظوظاً لو وصل الثلاثين عاماً، ومع ذلك فإن حلم الإنسان بشباب وحيوية دائمين وعمر أطول ما انفك مسيطرًا عليه، جسدته الأساطير القديمة في البحث عن ينبوع الشباب وحياة خالدة، في تجاوز لكون الإنسان فانيا ووجود علاقة جدلية بين المهد واللحد. قصر عمر الإنسان في الماضي له مسبباته: حينها كان فريسة سهلة للوحوش الضارية ولعديد أوبئة فتاكة، وإن لم يكن.. تكلفت الحروب بإفناء كثير ممن تبقى، بينما في العصر الحديث حيث تحسنت بيئة حياة البشر وتحسنت الرعاية الصحية، ارتفع متوسط عمر الإنسان في الولاياتالمتحدةالأمريكية كتمثيل للحالة ليصل إلى 76 عاماً مع انتهاء القرن العشرين، وكان لا يتعدى 49 عاماً في بداياته.. ولاتزال الأبحاث العلمية تجري قدمًا لمحاولة الوصول إلى نسبة أعمار قياسية ربما تصل إلى 150 عاماً، إذا لم يتولى الإنسان إفناء ذاته بالحروب، والتلاعب بتوازن بيئته الحيوية.. بعدما نجح العلماء أخيراً في مضاعفة عمر الدودة الشريطية خمسة أضعاف، عن طريق عزل جين السن فيها، غير أن الخارطة الجينية للإنسان معقدة حقاً، وربما استغرق الأمر عشرات السنين قبل اكتمال رسمها، ذلك إذا ما كان هنالك جين معين للسن في البشر، خاصة أنه لايزال محل شك عند العلماء. الأبحاث الأخرى تركز على حقن البشر بالهرمونات كالاستروجين والتيستروجين، ورغم أنها أفادت في تجنيب الإنسان الإصابة بالنوبات القلبية، إلا أن لها مخاطر أقلها ازدياد احتمالية الإصابة بالسرطان، ليصبح الأمر كما لو كنا نرغب في تجنيب المرء نوبة قلبية في سن السبعين، لكن في مقابل ازدياد احتمال إصابته بالسرطان في سن الستين. الطريقة الثالثة في المحاولات الدؤوبة للوصول إلى «ينبوع الشباب» تكمن في التخفيف من السعرات الحرارية، فكلما ازدادت شراهة الإنسان في مأكله ومشربه ازدادت عمليات الأكسدة ومعدل الأيض، ما يعني دمار جزء كبير من خلايا الإنسان وبالنتيجة تقدمه في السن وشيخوخته كدلالة فارقة على قرب وفاته.. بيد أن أي شخص سيصاب بالهلع عندما يدرك حجم السعرات الحرارية «وهي مبعث النشاط والحيوية» التي ينبغي عليه الاكتفاء بتناولها يومياً، والتي تبقيه فوق مستوى الجوع بقليل، فهي وإن ساعدت في إبطاء الشيخوخة، إلا أن المرء سيصبح حينها عاجزاً عن ممارسة كثير من مهامه اليومية ومنها قدرته على الإنجاب، بل وممارسة حياته الزوجية، وثمن باهظ كهذا يجعلنا نفضل الحكمة المتواترة: عش سريعاً ومت شاباً.. فلا خير في حياة ملؤها العجز. وفي المختتم، ف «الأعمار بيد الله» كما درجنا على القول وهي حقيقة لا تعدلها أخرى، ومحاولة تجاوز الإرادة الإلهية تنذر بعواقب وخيمة كما في الأساطير اليونانية القديمة التي تقدم أسوأ تحذير، حينما وقعت إحدى الآلهة في غرام شخص يدعي تيثونس وتزوجت به، وعندما بدأ يشيخ، توسلت هذه الإلهة إلى كبير الآلهة ليجعل حبيبها خالداً، ونفذ لها رغبتها، لكنها كانت ارتكبت خطأ مميتاً: لقد نسيت أن تطلب الشباب الخالد لحبيبها، وفي النهاية أصبح تيثونس عاجزاً مقعداً يتحدث لنفسه بلا انقطاع، ما أثار غضب الآلهة فحولوه إلى صرصور.