«الكل» يدرك الى أي جبهة يقف، لكنّ هذا «الكل» غير قادر على التصريح بموقعه في الجبهة.. ومجمل تلك القصة المستورة ان الجميع يحلمون بالعدالة والحرية والمساواة، لكنّ الخوف من عواقب التصريح بحلمهم كمؤشر لتحقيقه واقعاً يسحبهم الى عوالم مرعبة لا تعرف سوى لغة الدم! ينطبق على هذا المجتمع وصف شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي له، في كتابه “المستطرف في كل فن مستظرف” إن احس بعصفور طار فؤاده وإن طنّت بعوضة طال سهاده يفزع من صرير الباب ويقلق من طنين الذباب، إن نظر إليه شزرا أغمي عليه شهراً ..يحسب خفوق الرياح قعقعة الرماح. لكنّ هذا الوصف الباعث على الهروب من الكون وليس من اليمن فقط يذكرني بواقعة قديمة تعيد للأذهان كم هو هذا الجبن ..جبان حقا وكم كثير من افراد هذا المجتمع رابطين مدى جبنهم بمدى ما يتيّسر لهم من المال! “ خرج فارس من فرسان مروان أيام الضحاك الحروري فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم ثان فقتله، ثم ثالث فقتله، فانقبض الناس عنه، وجعل يدنو ويهدر كالفحل المغتلم. فقال مروان: من يخرج إليه وله عشرة آلاف؟ قال: فلما سمعت عشرة آلاف هانت عليَّ الدنيا، وسخوت بنفسي في سبيلها، وبرزت إليه، فإذا عليه فرو قد أصابه المطر فارمعلَّ ، ثم أصابته الشمس فاق فعلَّ ، وله عينان تتقدان كأنهما جمرتان. فلما رآني فهم الذي أخرجني، فأقبل نحوي وهو يرتجز ويقول: وخارج أخرجه حبُّ الطمع فرَّ من الموت وفي الموت وقع من كان ينوي أهله فلا رجع” تشابهت الوقائع والمال مع اختلاف طفيف في ان الوقائع القديمة وردت بلغة راقية والمال فيها «معدني»، والوقائع الجديدة وردت بلغة مسفّة والمال فيها «ورقي»! [email protected]