عدن صابونة البدن « .. قالها سائق التاكسي» .. وأردف « شوفي دمعتْ عيوني » . تأثرتُ بدوري لمشاعر الستيني البسيط الذي ظل يحكي لي عن عدن « زمان» أيام الإنجليز وعن أبيه الذي كان أكبر مهندس للكهرباء في عدن وقتها، قال إن بريطانيا فتحتْ له أبوابها و اعطوه إقامة له ولأولاده - وهو أحدهم- لكن أباه رفض واختار أن يقضي عمره في عدنه الحبيبة. اهتز بأكمله و هو يضحك و يقول : فاتنا بلندن .. بس دبور ! . الآن هو الابن/الأب لأربعة أولاد ظل يحمد الله أن قد « سهّلهم»، سهلهم بطريقته الودودة كانت تعني أنه علّمهم وزّوجهم، تبقى له ولد أخير؛ خريج جامعي ، قال بأنه يقلب رزقه بعمل سندويتشات«فلافل» .. على أمل أن يزوجه في هذا الصيف بعد أن يسقف له « المخزن» .كان الوقت ظهيرة والزحمة تنهش الطريق إلى سوق القات من الشارع الطويل في كريتر، قلت له: عادي ياباه بننزل هنا !! رد بتهكم : أنزلكم عند هذولا الهمج ؟ مانحناش بديك الأيام لما كانت الحجة تخرج سفور . فرحنا وكان لنا مشوارنا حتى الأخير . قبل أن ننزل رمى لي بمعلومة و أنا أمد له بأجرته : أنا مش محتاج شوفينا لدا الشغل بس لو جلست بالبيت أمرض و يجيلي اكتئاب .تمنيت له طول العمر وشكرته من أعماقي على الحوار اللذيذ، لوّح لي وهو يلوي طاسة المقود راجعًا : ربي يحفظك يا بنتي ! في طريق العودة ركبنا المواصلات العمومية، حتى إذا كنا في خور مكسر ظهر رجل كبير بالسن من بين الحشد و قال بصوت متهدج : مامعيش إلاّخمسين .. بتطلعنا ؟ صاح كل من في الباص : اطلع ياحاج الرزق على الله.. وكان سائق الباص أعلاهم صوتًا ، سعدتُ من قلبي لهذا الموقف الغامر، فما كدتُ أخلص من « قشننتي » حتى أطلتْ امرأة أخرى غمستْ نفسها بسواد لم يترك لي مساحة تخمين سنها، همست «للكراني » مامعيش ولا ريال، و كان للجمع نفس ردة الفعل إلاّ أنا ، أصابتني غصّة خانقة شعرتُ معها بأن الفقر قد وصل بالناس إلى مواصيل ليست في البال ولا في الخاطر . نزلنا من الباص عند المحطة فرمى الراكب في الأمام أعقاب سجارته فوقنا ، عباءة مها الجديدة أصابها خرم أنتقل إلى أذين قلبها الأيمن مباشرة، صاحت به : مالك ما تشوفش ؟! رد بلكنة مختلفة : ماشي شفتش ! همستُ بقلبي : جعلّلك حبة !