أعتقد أنه صار في معلوم الداخل والخارج، وبالشواهد المادية، أن «أنصار الله» ليسوا حالة طارئة ولا عابرة. قال صديقي السوري الضليع في الشأن اليمني حد الغوص في أدق تفاصيله. كان ذلك عقب مشاهدته زخم تظاهرات إحياء عاشوراء الفائتة في اليمن، والتي عمت معظم قرى ومديريات ومحافظات الجمهورية بصورة غير مسوقة من حيث حجم الجماهير المشاركة فيها، لاسيما في تعز والبيضاء المعدودتين بمعيار مشروع تحالف العدوان في خانة أصلب وأنضج مداميك رهاناته لتقسيم اليمن طائفياً ومناطقياً... وضع صديقي السوري مبضع التحليل على نقطة بالغة الأهمية لجهة فهم المواقف المتصلبة حد الكيدية والعداء، والتي تسِم علاقة غالبية مكونات المشهد السياسي التقليدي في اليمن ب«أنصار الله». فعلاوة على توجسهم من راديكالية شعار الحركة المناهض لأمريكا وإسرائيل في محيط سياسي مذعن، تعتقد هذه الغالبية في قرارتها أن «الأنصار» حالة طارئة وعابرة سرعان ما ستذوي بمرور الوقت، وذلك هو بالتحديد ما يجعلهم يفغرون الأفواه دهشة أمام كل نجاح جديد تحرزه الحركة الثورية بجدارة في مواجهة سلسلة التحديات التالدة والطريفة التي تفخخ طريقها منذ النشأة وحتى اللحظة الراهنة. يمكننا القطع بأن أحد أهم عوامل إخفاق سيناريو الفتنة الأخيرة التي قادها علي صالح في قلب العاصمة صنعاء، يكمن في انبناء هذا السيناريو الخياني الأخطر على قاعدة الاعتقاد ذاته بكون «الأنصار» طارئين وعابرين؛ إذ إن الأصيل في يقينهم هو من تسبغ عليه الولاياتالمتحدة نعمة الشرعية، ويحوز على رضا ومباركة المجتمع الدولي. بتعبير أوفر جرأة، فإن الأصيل يمنياً وعربياً هو فاقد الكرامة والغيرة والطموح، والمخطوم بالتبعية كنعجة لحظائر الوصاية الأمريكية. الأصيل في يقينهم هو من تسبغ عليه الولاياتالمتحدة نعمة الشرعية أما مبعث الخشية لدى نعاج الوصاية من كون «الأنصار» ليسوا كذلك، فيتمثل في أن بشراً أسوياء ومجانين كهؤلاء لا ريب سيجرون البلد إلى صدام حقيقي مع أمريكا وإسرائيل، برزت شواهده بفجاجة وسطوع في إطاحة الحركة الثورية بالوكلاء والأدوات المحلية للكيانين الآنفين، فيما تتوالى تباعاً شواهد زخم هذا المسار التحرري المغضوب عليه، في صورة جدارة إدارة الحركة للمواجهة الراهنة مع تحالف العدوان، وترجمة وعيدها لدول «التحالف» إلى ضربات صاروخية قاصمة في عواصمها.. عشية ال24 من أغسطس الفائت، ألقى صالح كلمة متلفزة في حضور أعضاء الأمانة العامة لحزبه، أكد خلالها بوضوح التزامه ب«السلم والأمن الدوليين»، وقال: «نحن لا نمثل تهديداً لدول الجوار الخليجي ولا لإسرائيل»، وهو ما اعتُبر حينها براءً من المسار الثوري ل«أنصار الله» الحليف، وتجديد ولاء وعهد لأمريكا بالتمسك بثوابت سياسة الحكم بالوكالة على أمل العودة إلى السدة كثمن للإطاحة ب«الطارئ والعابر»، وهو السيناريو الذي تمظهر علناً في مجريات أحداث فتنة الأيام الخمسة مطلع ديسمبر الراهن.. استهداف محطة براكة النووية قيد الإنشاء في أبوظبي بصاروخ «كروز» يمني، بالتزامن مع مواجهة عصابات الخيانة والفتنة، لم يكن من قبيل الصدفة. كان ذلك بمثابة رسالة قاسية متعمدة لواشنطن وإسرائيل تقول القيادة الثورية من خلالها لهما: «راجعوا جردة وعيدنا جيداً... نحن لا نتوعد ولا نشجب وندين من قبيل الاستهلاك الإعلامي كحال نعاج الوصاية، وحين نقول إنه لا سلطة لأحد على قرارنا السيادي فإننا نعني ما نقول، ولا قدرة لأحد على إيقاف مسارنا التحرري... وحين نقول إن قبضتنا الصاروخية باتت طولى فعلى دول العدوان أن تتحسس رؤوسها حذر الموت».. إن موانئ العدو الإسرائيلي مشمولة بوعيد صريح من سيد الثورة، أبو جبريل، خلال أي مواجهة قادمة فلسطينية لبنانية مع الكيان الصهيوني، وهذا هو أخطر ما تضمنته رسالة «كروز» المقرونة بجدارة وأد الفتنة الخيانية في زمن وجيز أذهل العالم ذا الغالبية المعادية للثورة وقيادتها في اليمن... فهل نحن على وشك أن نشهد «بداية النهاية لإسرائيل» طبقاً لوعيد سيد المقاومة حسن نصر الله. إن محور المقاومة + يمن أيلول، كوجود أصيل، هو المرشح الأقوى للفعل، فيما ينوء محور الانبطاح + إسرائيل بعبء ردات الفعل، وهو من سيقضي على الأرجح على الطارئ والعابر والدخيل، لاسيما وقد انتصر بجلاء في الحروب الكونية غير المباشرة التي تقودها أمريكا وإسرائيل عليه، وبات متفرغاً للقضية العربية الإسلامية الأولى: فلسطين. إذن، «عالقدس رايحين شهداء بالملايين»، من كل ينابيع الحرية، وعلى رأسها اليمن الصامد الصابر المنتصر!