ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا هو تاريخ اليمن (الإرهاص)
نشر في الجمهورية يوم 01 - 11 - 2006

مما يدل على أنه قد تشبث بأدنى رقم ليجلعه كمنطلق وبداية لبزوغ الحضارة اليمنية. حضارة سبأ واعتبارها أعظم الحضارات، وأضخم الدول التي ظهرت في اليمن،وأنها قد ظهرت في أوئل الألف الأول قبل الميلاد فماذا يعني هذا التحديد من النواحي التاريخية والسياسية والدينية والعلمية والمعنوية؟! لاسيما وأن الكاتب يعتبر المرجع الأول تقريباً في هذا المجال في اليمن في أيامنا هذه والموضوع جاء ضمن مواد الموسوعة اليمنية؟!
إنه لاشك يلحق ضرراً كبيراً بمكانة اليمن التاريخية، ويمس سمعتها الحضارية، ويحشرها في إطار زمني ضيق إلى أبعد حدود الضيق، إذ يضعها في مصاف تاريخ الأنباط والصفويين والبابليين في آخر أيامهم، ومع الآراميين والفينيقيين وهم في عز مجدهم، وفي مستوى تأريخ الهكسوس وغيرهم من الأمم، والشعوب الذين عاشوا في الالفين الأول والثاني قبل الميلاد. أيام موسى وسليمان بن داؤود، وهو يعني من الناحية الدينية التكذيب بما ورد في القرآن عن حضارتي عاد وثمود!! ويحقر ويقزم التاريخ اليمني العظيم إلى أدنى حد!!
أما من الناحيتين العلمية والتاريخية فإنه يربك تاريخ العرب القديم ، ويخلط أوراقه، بل ويفسده تماماً، ويقوض قواعده وأسسه. ويقضي على كل مقوماته بحيث لم يعد احد يثق في شيء عن تاريخ اليمن ، أو يطمئن إلى شيء قيل عنه.
لأنه لم يعد هنالك مايصدق ولا من يصدق، طالما والكل يتكلم في التاريخ وفق مزاجه، ويحدد لهذه الدولة أو تلك بداية ونهاية ، ولا يستند على أي أساس علمي أو تاريخي.
أما من الناحيتين السياسية والمعنوية فإن هذا يعتبر ضربة كبيرة، توجه إلى المحاولات الهادفة إلى إعادة تصحيح وضع التاريخ اليمني ، ورسم إطاره الصحيح، وإبراز وجهه الحقيقي المشرق العظيم والعريق والأمثل. وشتان بين أن تتصدر اليمن أمم العالم كما يتفق الآن علماء التاريخ والإنسان وعلماء الجيولوجيا وكما تثبت الدراسات والحفريات الأثرية والجيولوجية والتاريخية بأن اليمن مهد الإنسان العاقل ومهدالساميين ومنبت العرب، والمكان الذي اخترعت فيه الأبجديات وهاجرت منه الأمم التي صنعت الحضارات في بلدان حضارات الشرق الأدنى.
في حين أن مثل هذه المعلومات الناقصة تهز مصداقية التاريخ اليمني وتزعزع قواعده وأسسه وثقة الناس به!!
وعليه فإنني أطلب من كل من كتب عن تاريخ اليمن القديم ولا يزالون على قيد الحياة أن يعيدوا النظر فيما كتبوا في ضوء معطيات الدراسات والأبحاث الجديدة المبنية على البحث العلمي الميداني والوثائق الجديدة المكتشفة وصور الاقمار الإصطناعية، حتى نستطيع أن نصحح ما كتبناه وأن نكتب مالم يكتب من تاريخ اليمن وهو بكل تأكيد تاريخ الساميين والعرب والعالم المتحضر أيضاً وأن نعيد وضع تاريخ اليمن في إطاره الصحيح، ونعيد له الاعتبار ونضعه في المكان اللائق، به وتصحيح ما أمكن وليس عيباً أن نعيد النظر فيما كتبناه وأن نصحح أي خطأ في ضوء معطيات الأبحاث العلمية، الميدانية والمخبرية والاكتشافات والأبحاث الجديدة وإنما العيب كل العيب يكمن في الاستمرار على الخطأ. وقد كان علماؤنا رحمهم الله يعيدون النظر في المسائل الفقهية ولا يترددون في أن يقولوا: كان لنا رأي في المسألة أو المسائل الفلانية كذا وتبين لنا الآن غيره وهكذا اشتهر الشافعي وغيره برأيين اثنين حيال بعض القضايا العويصة التي ستثبت لهم الحرج.
إن على علمائنا ومفكرينا وعلى جامعاتنا ومراكز علمنا وبحثنا وعلى هذا الجيل تقع مسئولية اتخاذ قرار على الأقل باعتبار ما كتب عن تاريخ اليمن المكتوب ناقصاً ومشوشاً ومشوهاً. وأنه لابد من إعادة النظر في قراءته وكتابته وكتابة ما لم يكتب بعد. وإلا فسيقع اللوم على هذا الجيل أكثر من غيره!.
الفصل الثاني
العلاقات اليمنية المصرية منذ القدم
الفراعنة اليمنيون والمصريون يصنعون حضارة مصر وهم يحملون هذا اللقب من مهدهم.
قال صاحب كتاب مهد الساميين في أعالي اليمن: عرف المؤرخون شعوب الهجرات السامية الكبرى بالكنعانيين والآراميين والأموريين، ولم يذكروا عن هجرة سامية من أرض أخرى تقع إلى الشرق من السراة كانت تشكل اتحاداً يحكمه الفراعنة عبر البحر الأحمر إلى أعالي النيل فأعالي مصر، ثم صعودها إلى الدلتا. من أسباب هذا الإهمال. قدم هجرة هذه الأقوام الذين شرعت موجاتهم الأولى في عبور البحر الأحمر. كما أظن من الألف السادس ق. م. أي قروناً عديدة قبل نزوح الساميين إلى أرض الرافدين والشام. مما أسهم في إضعاف ذاكرة التاريخ بخصوص تلك الهجرة من ناحية، ومن ناحية أخرى ما قام به المؤرخون منذ العهد اليوناني من دراسات وبحوث عن مصر القديمة، نتج عنها ترسيخ مفهوم أن تأريخها القديم منذ البداية تطور بفعل عوامل وأحداث محلية، لا علاقة لها في الغالب بأقوام أخرى وفدت إليها من الخارج.
ويضيف: إلا أن الدراسات والبحوث الحديثة بدأت تكشف بالتدريج عن العلاقة الإثنية والحضارية والعقائدية والسياسية بين المهاجرين من أرض الساميين في المهد (اليمن) وسكان مصر القديمة.. وهي علاقات لم يتم التعبير عنها بمجرد آراء، أو عرض عدد من الحقائق حول بعض القضايا، ولكن بالتدليل على وحدتها السياسية تحت حكم الفراعنة المهاجرين من اليمن.
وقد قام منهم (مينا) بتوحيد القطرين (مصر واليمن) عام (3200ق.م)لم يحكم مينا إلا من عام 2920ق.م وليس الوجه البحري والوجه القبلي لأرض مصر، ولكن أيضاً وحدة اللغة والكتابة على الرغم من قدم المصرية كلهجة سامية ثم التدليل في قسم لاحق على تماثل المعبودات والعقائد الدينية بين القطرين، وقد أمكن إعداد استكشاف وبيانات مستمدة من أرض الفراعنة في اليمن القديم لدعم ما سبق ذكره).
وتحت عنوان: وفود الساميين إلى مصر يقول: جاء في كتاب (برستيد) عن قدوم الساميين إلى أرض مصر: (والمعروف أن أقواماً ساميين من غرب آسيا غزوا وادي النيل، وعمموا فيه لغتهم فصبغوه بصبغتهم، كما هو ظاهر في النقوش المصرية القديمة. وبالرغم مما اعتراها أي اللغة من تغيير وتحريف باختلاط السكان، فقد حافظت على ساميتها بمرور الزمن. ومما يجدر ذكره في هذا المقام هو أن هذه اللغة وجدت كاملة على الآثار منذ أقدم عصورها.
وأضاف عن وفود الساميين إلى مصر يرجع بلا مراء إلى ما قبل العصور التاريخية المعروفة. لكن الثابت أن هذه الغزوة تكررت بعد ذلك مراراً في العصور التالية. ومحال أن نعرف تاريخ الغزوة السامية والطريق الذي سلكه هؤلاء الغزاة.
وقد أشار آخرون إلى الهجرات السامية الوافدة من الساحل الشرقي الإفريقي المقابل والتي انتشرت في أعالي النيل ثم صعدت منها شعوب إلى مصر، وأن الوافدين لم يكونوا غزاة محاربين بقدر ما كانوا نازحين من أرضهم، التي تأثرت بالجفاف وارتفاع درجات الحرارة، يبحثون عن أرض رطبة يستقرون فيها، للعيش بجوار الأقوام المحلية فيها. وذكر الدكتور أحمد زكي عن الدور الحضاري الذي لعبه الساميون في مصر فقال: إن أقدم حضارة مصرية (نقادة الأولى) في جنوب أسيوط ساهمت فيها عناصر سامية إذ انحدر الساميون من الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر إلى منابع النيل، وصعدوا فيه. ويحسم الدكتور (فرجليون) قضية تكون الحضارة المصرية، وحضارة أرض الرافدين، ودور الهجرات السامية من اليمن القديمة.. ونبه إلى أن المؤرخين يعتبرون أن الشرق العربي وبالأخص مصر والعراق أقدم تحضراً في العالم. ومن هنا سميت العالم القديم. أما الحضارات إنما تكونت نتيجة لهجرات متتالية كانت تأتي من الجنوب وبالتحديد من اليمن القديمة. وعن منبت الفراعنة ومهدهم الأول يقول: كان الفراعنة في مهدهم القديم، يحكمون مساحة من الأرض مركزها مدينة (فرعة) التاريخية، وتقع حوالي 6 كم . جنوب كحلان عفار، الذي يحمي شمال المدينة في محافظة حجة اليمنية حالياً، كما تحميها سلسلة الجبال إلى غربها، والتي تمتد حوالي 20كم. من طرفها الشمالي إلى الجنوب. وتمتد جبال الشراقي الوعرة إلى الغرب لتكمل تحصينها من الغزو).وعن توحيد اليمن ومصر تحت حكم الفراعنة المنحدرين أصلاً من اليمن قال أنور: تحت عنوان: خطوتا التوحيد في عهد الفراعنة. كان الاعتقاد السائد أن محاولة توحيد شطري مصر القديمة عام 4800م. كانت عملية توحيد الوجه البحري والوجه القبلي في اليمن، وأن خطوات هذا التوحيد كما أكده علماء المصريات تمت أولاً بتجميع وحدات الوجه البحري إلى مملكتين الأولى في الغرب وعاصمتها (باحدث)، والثانية في الشرق وعاصمتها (بوصير) وكان إله المملكة الأولى (حور) وإله الثانية (عنزتي) وقد صار (أو وزير) فيما بعد، ثم اندمجت المملكتان وصارت عاصمتها(سايس) أو (شاس)، ثم أصبحت (باحدث) وإلهها كان (حور). وفي الوجه القبلي تكونت مملكة أخرى عاصمتها (نقادة) وإلاهها(ست) مناهض للإله (حور). ويختلف أحد الدارسين مع علماء المصريات حول جغرافية هذه الخطوات نحو الوحدة مؤكداً أنها تمت في (اليمن)، ولعل الأساس الذي استند إليه علماء المصريات - كما أرى- كانت مخطوطات ملوك الفراعنة الأقدمين، والذين عاشوا خلال تلك الفترة البعيدة من عمق التاريخ في أرض مصر، دون أن يخطر في بال العلماء أنهم كانوا مهاجرين قدماء من مرتفعات اليمن وحكاماً في أرضهم القديمة. وظلوا كذلك حتى بعد استقرارهم في أرض مصر، يديرون شئون مهدهم، ويقررون قضايا السياسة والحكم فيه: وفي مصر (أو الجزء الغربي من مصر). هذه الممالك التي تشكلت كما يؤكده علماء المصريات بعواصمها (باحدث) و(بوصير) و(شاس) و(نقادة) ومعبوداتها وهم (حور) و(عنزتي) و(أوزير) و(ست) هي مواقع مازالت آثار أسمائها تغطي أرض الفراعنة اليمنية. وبالمثل فإن عملية التوحيد التي حققها الفرعون (مينا) والتي شكلت انتقال مصر من مرحلة ما قبل التاريخ إلى مرحلة التاريخ بروز عصر الأسرات، كانت في الحقيقة خطوة لتوحيد (مصر) مع (مصر العليا في مرتفعات اليمن وقد بنى ملك القطرين ميناءً جديداً في تهامة اليمن أطلق عليه اسم (من نفر) (الميناء الجميل) وهي اليوم (المنافرة) في الساحل اليمني). وبعد توحيد القطرين (مصر واليمن) لم يتخذ ملوك الأسرتين (منفى) مقراً لهم فقد أقاموا في الجنوب الأقصى متخذين مقراً لهم، ولم تكشف الوثائق عن أحداث هامة خلال الأسر الأربع الأولى سوى تتويج الفرعون (ودمو) والإحتفال بعيد سد لكن عدداً قليلاً من الأحداث سجلها الفرعون (أوسركاف) كما كشفت هذا النقوش المصرية في حجر بلرم وقعت في أرض اليمن قريباً من مواقع المعبودات الشمسية، وتتعلق ببناء المعابد أو المذابح الدينية، أو تعيين مكافاة محصل الضرائب، وينتقل المؤلف إلى عهد الأسرة الرابعة فيقول: سمي عهد الأسرة الرابعة 2563- 2423ق.م. بعهد نفوذ كهنة رع. حين بدأ يظهر اسم (رع) ضمن اسم الملك الحاكم، وعمل الكهنة في توجيه العقائد الدينية في مصر إلى عقيدة عبادة الشمس، التي كانت سائدة منذ القدم في بعض النواحي من أرض الفراعنة في اليمن، وبتكريس آلهة الشمس، ومنهم حوريس، تمكن الكهنة من توسيع سلطتهم ونفوذهم في البلاد. واستطاع كبيرهم أن يغتصب لنفسه العرش وهو الملك (أو سركاف) مؤسس الأسرة الخامسة).
===============وهذا استعراض لأسماء عدد من عواصم بعض المقاطعات التي وحدها الفراعنة في أرض اليمن.
---------------------------أما عواصم المقطاعات اليمنية في إطار الوحدة الفرعونية بين اليمن ومصر فنورد منها ما يلي:
ويردف قائلاً: وباستمرار العلاقات التجارية والسياسية استمر التبادل التجاري بين القطرين ، وكان المصريون يستوردون من اليمن النبيذ وبعض الزيوت المستخدمة في الأغراض الجنائزية إلى جانب المر والبخور واللبان، كما كانوا يجلبون أشجار العرعر والمسماة بالأرز وربما غيرها من الأخشاب القوية لصنع السفن والصواري وأعمدة الأعلام والتوابيت.
وعن مسيرة الفراعنة التاريخية بين اليمن ومصر قال: (منذ اكتشاف حجر رشيد وفك ألغاز الكتابة الهيروغليفية، وقراءة اللغة المصرية القديمة، ظل التردد يسود أحكام الباحثين عن حقيقة تلك اللغة وانتمائها. وعندما أصبحت علاقتها بالسامية ظل الباحثون يختلفون حول مدى التشابه والاختلاف بين اللغتين. فقد ذكر باحث عن هذا. هكذا: أقدم الأشكال التي وصلتنا لهذه اللغة تفصح أساساً عن صيغة سامية، فهي شديدة الشبه بالسامية في التركيب وطريقة التفكير، ولكن هناك على أية حال اختلافاً كبيراً في المفردات اللغوية. وعديداً من التعبيرات عن الأشكال الشائعة لا صلة لها بها. والمصرية القديمة تختلف عن السامية الأم كاللهجات السامية الأخرى، إلا أنها تمثل أقدم شكل للغة السامية في المفردات وقواعدها بشكل عام. (وقد أثبتنا أن الكتابة الهيروغليفية في اليمن ومنها انتقلت مع الفراعنة إلى مصر).
ويذكر بريستيد في كتابه عن تاريخ مصر: (والمعروف أن أقواماً ساميين من عرب آسيا غزوا وادي النيل، وعمموا فيه لغتهم، فصبغوه بصبغتهم، كما هو ظاهر في النقوش المصرية القديمة، وبالرغم مما اعترى اللغة من تغيير وتحريف باختلاف السكان فقد حافظت على ساميتها بمرور الزمن. ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن هذه اللغة وجدت كاملة على الآثار منذ أقدم عصورها).
ويذكر الباحث اللغوي (فرتز هومل) عن العلاقة بين أبجدية اللغتين المتشابهتين الأبجدية المصرية القديمة التي عرفت حوالي 4000 ق. م. أنه من المستبعد أن توجد مرتين في العالم القديم أبجديتان، وأن تكون لكل منهما أبجدية حروف صامتة، وبها إشارة الهمزة بينما تكون كل الأبجديتين منفصلتين عن الأخرى.
(ويستدل على هذا) بالتشابه في الضمائر وبعض الصيغ المصرية القديمة.
Inn إننا
1- ضمير المتكلم المنفصل المفرد
Ink إنك - أنا
2- ضمير المتكلم
Int أنتم - أنتن
3- ضميرالمخاطب المنفصل (الجمع)
Prk بيتك
4- ضمير المخاطب المفرد في حالة الإضافة
Pri بيتي
5- ضمير المتكلم المفرد في حالة الإضافة
Prn بيتنا
6- ضمير جمع المتكلم في حالتي الإضافة
Snt أخت))
7- التأنيث (sn)= أخ
وعن دور اليمنيين في بناء حضارتي مصر والعراق. قال الكاتب الشهير محمد عزة درزوزة (لقد قامت الدولة المتحدة المصرية الأولى?التي كان أول ملوكها (مينا) قبل خمسين قرناً قبل الميلاد في رواية، وخمسة وثلاثين قرناً في رواية أخرى. وتركت من الآثار ما دل على تقدمها منذ الأسر الأولى منها تقدماً غير يسير في مختلف مجالات الحضارة الدينية والثقافية والعمرانية والفنية والمعيشية. وثبت أن الذين أقاموا هذه الدولة هم من موجات جزيرة العرب التي انساحت إلى وادي النيل قبل ذلك بمئات السنين.
وقد قال بعض الباحثين أنهم جاؤوا إلى مصر ومعهم حضارة أرقى مما كان فيها وأنهم هم الذين جاؤوا بفن التحنيط والكتابة الهيروغليفية.
وقد قال فيلبي كلاماً مقارباً على ما نقلناه .
ويدعم هذا الموجات العربية التي انساحت إلى بلاد العراق والشام قبل أربعين قرناً قبل المسيح، ثم قبل ثلاثين، ثم قبل عشرين سجلت الأخرى كثيراً من المآثر العمرانية والسياسية والأدبية منذ ذلك العهد البعيد، وثبت تشارك الدولة المعينية في كثير من هذه المآثر.
وهذا يسوغ القول: إن نواة هذه المآثر كانت نامية في الجزيرة العربية أو بتعبير أدق في جنوبها قبل انسياح هذه الموجات فنسجت على منوالها استمراراً لما كانت عليه في البلاد التي طرأت عليها واتصلت حلقاتها حتى عهد الدولة المعينية وأنه ليس من المستبعد أن يكشف فيما بعد عن حلقاتها حتى عهد الدولة الميعينية وأنه ليس من المستبعد أن يكشف فيما بعد عن حلقات منها أقدم من هذا العهد، كما يسوغ القول: أن جنوب جزيرة العرب كان مقر حضارة دينية وثقافية وعمرانية وفنية راقية نوعاً.
أما بالنسبة لذلك العهد القديم منذ أقدم الأزمنة التاريخية. وأنه الذي شعت منه حضارة مصر والعراق التي تعد أقدم حضارات العالم، أو من أقدمها. ومقتبساً لها وكفى بهذا فخراً للجنس العربي صاحبها.
ويضيف: ولقد عرف من الآثار والمنقوشات المصرية القديمة على ما جاء في تاريخ مصر منذ أقدم العصور لبريستيد أن (سحورا) أحد ملوك الأسرة الخامسة المصرية التي حكمت بين (2750-2625) ق.م. حسب رواية مؤلف كتاب الكافي في تاريخ مصر عن قدماء المصريين قد أنشأ أسطولاً وسيره إلى خليج عدن لجلب البخور والعطور والمعادن النفيسة: وأن أسطول مصر في عهد بيبي الثاني أحد ملوك الأسرة السادسة المصرية التي حكمت بين (2625-2475)ق.م. حسب رواية بريستيد).
وبين (3703-3500) ق.م. حسب رواية الكافي. كان ينشط بين مصر ومواني البحر الأحمر. وأن هذا الملك أصلح الطريق إلى القصير على ساحل هذا البحر من ناحية مصر لتسهيل سير القوافل التجارية ولقد جاء في الكافي أن (منتوحتب) الرابع أحد ملوك الأسرة الحادية عشرة التي حكمت بين 3064 - 2135 ق.م. حسب رواية هذا الكتاب وبين (3064-2851ق.م) حسب رواية بريستيد أرسل بعثة إلى بلاد العرب لإحضار الصمغ ذي الرائحة الزكية. وأن هذه البعثة توجهت من قفط على رأس حملة إلى البحر الأحمر، ومنه إلى جنوب الجزيرة العربية. ووصلت إلى سبأ (1) ووال ورهان وأحضرت منها الحجارة النفيسة لتماثيل المعابد. ولقد جاء في تاريخ مصر منذ أقدم العصور لبريستيد أن (نخمعت الثاني أد ملوك الأسرة الثانية عشرة التي حكمت حسب رواية هذا المؤرخ بين (2000-1788 ق.م.) وحسب رواية مؤلف الكافي بين (3064- 2851ق.م) أصلح الطريق الموصل بين قفط والبحر الأحمر والصومال حيث تؤيد هذه الآثار ما نوهنا به عن قدم النشاط الحضاري والصناعي والسياسي في جنوب جزيرة العرب وذيوع صيت ما امتاز به من حجارة نفيسة وعطور وبخور قبل بروز الدولة المعينية كدولة شاملة كبرى بأكثر بألفي عام في تقدير بعض المؤرخين).
وتحت عنوان: أولية الانسياح العربي إلى مصر. والفترة السابقة لقيام الدولة المتحدة الأولى، قال دروزة: اتحدت كل من دول الوجهين في مملكتين، ثم اتحدت المملكتان فكانت المملكة المتحدة الأولى. وأن ذلك جرى بعد طروء المهاجرين الساميين (العرب) من جزيرة العرب واستيلائهم على البلاد.
والمعقول أن يكون ذلك قد جرى خلال قرون عديدة قبل قيام المملكة المتحدة الأولى. وقد يفيد هذا أن الانسياح العربي الذي ظل متصل الأثر والواقع، قد جرى قبل ستين قرناً أو قبل خمسة وأربعين قرناً - حسب الفرق بين التقديرين قبل الميلاد المسيحي. ومما قاله بريستيد في صدد ذلك بعد قوله الذي أوردناه في طروء الساميين على مصر قبل العصور التاريخية، وتلاحق طروؤهم بعدها أن تكوين الإمارات الصغيرة ثم اتحادها في مملكتين. واحدة في الوجه القبلي وأخرى في الوجه البحري يرجع إلى زمن بعيد جداً يصعب الاهتداء إليه. كما يصعب الاهتداء إلى أسباب اتحاد الإمارات الصغيرة في مملكتين وأن كل ما يمكن أن يقال أن هذا قد تم قبل سنة 4000 ق.م.
والظاهر الراجح أن وحدات الموجات العربية بعد أن استولت على البلاد، وفرضت سيطرتها عليها تقاسمتها حسب قبائلها وبطونها، ومع كل منها طوائف السكان القدماء التي اندمجت معها وخضعت لها، فقام نتيجة لذلك أولاً إمارات أو ممالك صغيرة عديدة في كل وجه ثم إلى قيام مملكة في الوجه القبلي وأخرى في الوجه البحري ثم إلى قيام المملكة المتحدة الأولى، وهذا ما جرى في جنوب جزيرة العرب ثم في بلاد الشام والعراق فيما بين الأرومات العربية).
وقال سليم حسن تحت عنوان (نحو توحيد البلاد: أن الشكل الذي وجدنا عليه اندماج الجنسين. ويعني الجنس الجديد الذي جاء من جزيرة العرب، والسكان القدماء، كما نشاهده في عصر منا، وهو العصر الذي ظهرت فيه الكتابة المصرية تحتم علينا بأن نحكم أن الجنسين قد عاشا معا زمناً طويلاً قبل أن يحدث الاندماج الكلي بينهما، وإن كنا نجهل الأمور التي مرت ببطء وتم خلالها النمو الاجتماعي وتكوين الجماعات تحت حماية معبود في شكل وثن، يحكمها مجلس مكون من شيوخها ثم الملكية المحلية ثم اتحاد المقاطعات معا ثم في النهاية الملكية الفرعونية المتحدة، وأن (من) الذي قامت المملكة المتحدة تحت صولجانه هو من بلدة طيبة على مقربة من المكان المعروف بالعرابة مركز البلينا . وأن من المحتمل أن يكون من عظماء البلدة كما أن من المحتمل أنه كان ملك الجنوب، ثم ورث ملك الشمال من أمه وأنه لا يعرف إذا كان التوحيد تم بالحرب أو السلم.
ويختتم كلامه بالقول: ثم وفد على البلاد قوم من بلاد العرب عن طريق الصومال وتوغلوا نحو الشمال حتى الوجه القبلي وتأصلوا فيه وأنشأوا مملكة ثالثة يرمز إليها في الآثار برمز الصقر، وكانوا ذوي مواهب).
ب: جذور المصرين في اليمن:
يبدو أنه لم يعد من لغو القول أو مما يثير اللغط والاستغراب القول بأن أصول المصريين أو معظمهم على الأقل من اليمن. وقد توفرت لدينا الآن معلومات علمية تاريخية مستقاة من النقوش المكتشفة هنا وهناك وفي أماكن أخرى ومن إعادة ترجمة البعض منها ومن خلال إعادة قراءة وتفسير نصوص التوراة ومقابلة نصوصها بنصوص مسندية أو بمسميات يمنية لا تزال إلى يومنا هذا لمعالم ومدن وقرى وأماكن وجبال وأودية ومناطق وقبائل وزعماء وآلهة... إلخ. وحتى لا نسهب في التقديم نسوق بعض النصوص من أحدث المراجع أو من مراجع كتبها علماء من هذه الأمة، ولم تعط الاهتمام الجديرة به. من هذه النصوص:
1- إن الباحثين متفقون على أن مصر كانت مباءة (موطنا) لعناصر آسيوية من الجنس الأبيض كانت تطرأ عليها في عصور ما قبل التاريخ وبعدها وتمتزج بالعناصر الإفريقية المذكورة مع تقرير أكثرهم بأن هذه العناصر أو معظمها من الجنس الذي أطلق عليه تعبير الساميين خطأ جزافاً استنتاجاً من أنساب سفر التكوين والذي يجب أن يسمى بالجنس العربي الذي كان موطنه جزيرة العرب على ما شرحناه وأثبتنا دلائله وأقوال الباحثين المؤيدة له في مقدمة الكتاب في الجزء الأول. وأن موجات هذه الجزيرة كانت تنساح إلى وادي النيل من حين لآخر بدون انقطاع من طريق برزخ السويس حيناً ومن طريق باب المندب وشواطئ إفريقيا حيناً، كما كانت تنساح من حين لآخر بدون انقطاع إلى الأقطار الأخرى المجاورة للجزيرة على ما شرحناه في المقدمة).
2- أن أقواماً ساميين من عرب آسيا طرأوا على وادي النيل، وعمموا فيه لغتهم، وصبغوه بصبغتهم، كما هو ظاهر من النقوش المصرية القديمة، وأن لغتهم حافظت على ساميتها (عروبيتها) بمرور الزمن بالرغم مما طرأ عيلها. من تغيير وتحريف باختلاط السكان. وأن تاريخ الهجرات السامية الأولى يرجع بلا مراء إلى ما قبل العصور التاريخية المعروفة، وأن من الثابت أن هذه الهجرات قد تكررت مراراً في العصور التالية).
3- إن المصريين والسودانيين من أصل واحد، وأنهم جاؤوا إلى وادي النيل من بلاد العرب عن طريق الصومال، على ما تدل عليه البحوث والاستقراءات. وقد نقل هذا المؤلف عن ديودور الصقلي أن أصل المصريين القدماء هم من بلاد العرب الجنوبية، نزلوا إلى شواطئ أثيوبيا، ثم تقدموا نحو الشمال حتى دخلوا مصر، وبسبب ذلك يقول الأثيوبيون: أن مصر مستعمرة من مستعمراتنا، على اعتبار أن سكانها القدماء جاؤوا إليها من ناحيتهم. وقد نقل كذلك عن أحمد كمال، العالم الأثري المشهور: أصل اللغة المصرية القديمة واللغة العربية واحد. وأن الاختلاف الظاهر بينهما ليس إلا نتيجة لما يعتري الكلمات من القلب والإبدال، وما يطرأ على اللغات من تغير بمعاملة الأجانب).
4- (ومن تأمل في التماثيل القديمة المصرية المحفوظة بدار التحف علم يقيناً أن هذه الأمة من الجنس الأبيض القاطن في آسيا وأن كثيراً من أصول لغتهم مشتق من اللغة العبرانية والآرامية كما أن الضمائر المتصلة والمنفصلة منهما متشابهة. وخلاصة القول: إن أصل المصريين من الجنس السامي (العربي حسب اصطلاحنا) قد أتوا إلى هذا الوادي من برزخ السويس وربما وجدوا فيه طائفة من الزنوج).
5- إن المصريين القدماء كانوا يطلقون على بلاد حضرموت واليمن (بو) وكانوا يعتقدون أن أصلهم منها. وقد قال المؤرخ التركي أحمد رفيق في الجزء الأول من كتابه. التاريخ العام الكبير نقلاً عن مصادر ألمانية مثل تاريخ مصر القديم لأدوار ماير. ومصر حياتها في العصور القديمة لأدولف أرمان، وتاريخ الأمم القديمة لماكس دوفكر (إن معظم علماء تاريخ مصر يقررون أن المصريين القدماء قد جاؤوا من آسيا الغربية، منهم من جاء عن طريق برزخ السويس من الشمال. وأن بين لغتهم واللغات السامية في مفرداتها وصرفها ونحوها مشابهة كبيرة. ومع أنه لم يقل صراحة أنهم جاؤوا من جزيرة العرب، أو أنهم من الشعوب السامية فإن هذا الوصف يعني ذلك كما هو المتبادر).
6- أن كل جذور اللغة المصرية القديمة ومعظم قاموسها بتركب من عناصر سامية حتى أجروميتها فيما يتصل بتركيب المؤنث والجمع، والكلمات البعيدة عن الأصل السامي ترد إلى الجنس الأسود الذي طرأ على مصر.
7- إن أرجح الآراء أن مؤسسي الحضارة المصرية الأولى، التي ترجع إلى ما قبل الأسر الملكية، أي إلى ما قبل خمسة وأربعين قرناً أو أكثر، قوم أوربيو الأصل، غير أن حضارتهم ليست هي أساس مدنية المصريين، الذين تكونت منهم الأسر المختلفة، والذين وصلوا بمصر إلى أعظم درجات الرقي، وقد ثبت أن هؤلاء قوم ساميون، قدموا إلى مصر من برزخ السويس، وهناك من يقول: إنهم جاؤوا من طريق الجنوب، وعلى كل حال فالمعلومات يقيناً أن الذين نشأ منهم (مينا) - وهو أول من عرف من ملوك المملكة المصرية المتحدة قبل نحو أربعين قرناً - كانوا قبل ظهوره يقطنون الجهة الجنوبية من مصر. ومما يدل على أن أجداده من الساميين، أن أقدم ما وصل من لغتهم يغلب فيه العنصر السامي على الإفريقي، وقد دخلوا ومعهم حضارة أرقى مما كان في مصر. وهم الذين جاؤوا بفن التحنيط والكتابة الهيروغليفية).
8- إن المدينة الإنسانية العامة قد ابتدأت في وادي النيل. وسكان هذا الوادي وإن كانوا مزيجاً من عناصر مختلفة فالعنصر السائد فيها والذي أنتج أول مدنية إنسانية هو العنصر السامي أي العربي. إنها لغات جماعة بشرية كونت جنساً واحداً. وهو الجنس الذي عرف باسم الجنس السامي، والذي عرفت شعوبه باسم الشعوب السامية، ولغاته باسم اللغات السامية، والتي تحضرت في أطراف جزيرة العرب وفيما وراء هذه الأطراف، مع بقاء وحدة التفكير والخيال جامعة بينها. وقصارى القول: أن الجماعة السامية هي الجماعة العربية. وأن مهدها الأول هو نجد والحجاز والعروض واليمن. وما والى هذه البقاع، ومنها كانت الهجرات الأولى إلى شمال الجزيرة ومشارف الشام والعراق ثم إلى بلاد الحبشة ومصر).
9- إن موجة المهاجرين الساميين انساحت إلى مصر عن طريق إفريقية الشرقية حوالي سنة (3500ق.م) وكان فيها جماعة من الحاميين فحلت بينها وامتزجت بها فتألف من هذا المزيج سكان مصر القدماء.
10- اللغة المصرية القديمة في سلك اللغات الآشورية والبابلية والآرامية والكنعانية والعبرانية والعربية القديمة والحبشية الإثيوبية، وقال إننا لو دققنا النظر فيها لوجدنا تشابهاً جلياً بينها يخولنا حق ردها إلى أم واحدة.
11- إن سكان مصر القدماء جاؤوا إليها من جزيرة العرب قبل ستة آلاف سنة. وأن الأسر الفرعونية الأولى من هؤلاء القادميين. وقال مثل هذا بروخ الألماني، وهنري جونسون الإنكليزي في كتابيهما - تاريخ مصر أيضاً.
12- إن الذي حققه العلماء أن الذين ملكوا مصر ووضعوا شرائعها منذ البدء جماعات هاجروا إليها من المشرق منذ بضعة ألوف من السنين قبل التاريخ المسيحي، وليس في مشرق مصر إلا جزيرة العرب من الجنوب والشرق وسيناء المتصلة بالجزيرة من الشرق الشمالي.
13- إن لعروق المصريين الأقدمين والعرب والفينقيقين والكنعانيين روابط تشد بعضها إلى بعض، وليس المصريون سوى ساميين انفصلوا عن مهد الساميين قبل غيرهم.
14- إن المهاجرين الفاتحين جاؤوا إلى مصر من شبه جزيرة العرب، ودخلوها عن طريق البحر الأحمر من جهة فقط أو عن طريق أعالي وادي النيل أو عن طريق فلسطين فسيناء فشرقي الدلتا، وقد أدخلوا معهم مدنية أرقى من مدنية الجنس الحامي الأصلي، الذي لم يكن يعرف إلا الآلات والأواني الحجرية، كما أدخلوا معهم معرفة المعادن بخاصة النحاس، وأدخلوا كذلك عبادتهم للأموات وديانتهم وكتابتهم وفنونهم ونظمهم الاجتماعية والسياسية. ونخمن أنهم أتوا إلى البلاد تدريجياً من غير عنف، فتوصلوا إلى الاستيلاء عليها بنجاح. وأهم الوثائق التي بقيت من عهدهم أو عثر عليها ألواح أردوانية منقوشة على أشكال مختلفة لم ينسوا حكها. وقد علق دروزة على القول السابق هكذا: وكلام المؤلف يفيد، كما هو المتبادر، أن المهاجرين الآسيويين هم من جزيرة العرب، وأنهم فتحوا البلاد وسيطروا عليها وحكموها ووحدوها تحت صولجان الملك (منا) أو (مينا) الذي كان منهم. وقد ذكر هذا المؤرخ أيضاً في نفس الجزء أنه وفد على البلاد قوم من آسيا من بلاد العرب عن طريق الصومال، وتوغلوا في الشمال حتى الوجه القبلي، وتأصلوا في البلاد، وكانوا جنساً ذا مواهب عظيمة، فأقاموا مملكة ثالثة رمز إليها في الآثار برمز الصقر في نهايتها، فغدت الممالك الثلاث (مملكة النحلة والبوصة، ومملكة الثعبان والنسر، ومملكة الصقر) موحدة تحت سلطان صولجان واحد، فقامت بذلك المملكة الفرعونية).
15- وذكر صاحب كتاب مصر القديمة في سياق سيرة أحد ملوك الأسرة السادسة التي حكمت بين سنتي 2625- 2475ق.م. على أقل التقديرات (لأن هناك تقديرات أبعد) أن هذا الملك أرسل جماعة إلى سواحل البحر الأحمر لإنشاء سفينة تسافر إلى بلاد (بنت) أو (بونت) التي كان يعتقد المصريون أنها شبه مقدسة وأن أصلهم يرجع إليها على ما ذكرته النقوش التي نقشها أحد رجال الملك، والسياق يفيد أن هذه البلاد على سواحل البحر الأحمر الشرقية إلى سواحل بلاد اليمن. والحجاز. وإن كان المؤلف فسرها بأنها بلاد الصومال. ومعنى هذا على كل حال: أن المصريين في هذا العهد كانوا يتداولون جيلاً بعد جيل عن آبائهم الأولين أنهم قد جاؤوا إلى مصر من سواحل جزيرة العرب رأساً أو بطريق الصومال على تقدير أن تكون هي المقصودة من بلاد (بنت) وفي هذا ما فيه من مغزى ودلالة). 16- إن الساميين (العرب في اصطلاحنا) قد نزحوا إلى مصر من عهد قديم جداً، وأن الاكتشافات الأثرية الأخيرة تدل على أن العصر الحديدي بمصر يبدأ بدخول الساميين إليها، وأن مما يستدل به على ذلك اسم (فتاح) السامي، الذي هو أقدم آلهة مصرية.
17- ومما هو مظهر من مظاهر طبيعة جزيرة العرب منذ أقدم الأزمنة إلى الآن دون انقطاع في إرسال موجاتها من آن لآخر إلى الأقطار المجاورة لها في الشمال والجنوب على ما شرحناه في مقدمة الكتاب في الجزء الأول. وقد كانت بلاد الهلال الخصيب (العراق وجزيرة الفرات وبلاد الشام) تعج دائماً بهذه الموجات، فينساح منها جماعات بعد جماعات إلى مصر عن طريق بلاد النوبة. ومهما بلغ التزمت في أحد فلا يصح أن يصل في حال إلى درجة المكابرة في حقائق هذه الموجات وصلتها بجزيرة العرب، وعلى الذين يجنحون إلى المكابرة ويقولون: إن هذه افتراضات، أو يمارون في ما يسمونهم شعوباً سامية قد جاؤوا إلى بلاد الشام والعراق ووادي النيل من جزيرة العرب، أن يذكروا أنه قام دليل لا يدحض، ولا نزال نعيش فيه، وهو ما عرف معرفة اليقين من انسياح القبائل من جزيرة العرب في دور العروبة الصريحة ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد بل وقبل ذلك، إلى بلاد العراق وجزيرة الفرات وبلاد الشام شمالها ووسطها وجنوبها وغمرها جميع هذه البلاد. وإقامتها الدول فيها).
18- ونظراً للإنسياح العربي، الجنس الذي بدأ قبل العصور التاريخية الوثيقة واستمر بعدها، غدت الصفة العربية- والمؤنعون يسمونها الصفة السامية - قوية البروز في اللغة المصرية القديمة. وقد قرر هذا بريستيد وغيره من العلماء على ما تفيده النبذ التي أوردناها عنهم. ولقد أثر عن العالم الأثري المصري الشهير أحمد كمال، أنه وضع قاموساً فيه آلاف المفردات المصرية القديمة المتشاركة في المعنى والمبنى مع المفردات العربية، كدليل على ما قرره وأوردناه قبل. نقلاً عن كتاب تاريخ السودان العام للدكتور حسن كمال من أن أصل اللغة المصرية واللغة العربية واحد لأن أصل المصريين من جزيرة العرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.